شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح كتاب العلم من صحيح البخاري
31896 مشاهدة
باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها


باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ، ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها.
قال أبو عبد الله حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن أبا مرة مولى عقيل بن أبي طالب أخبره عن أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر؛ فأقبل اثنان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد قال: فوقفا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه .


نستفيد من هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجلس لأصحابه ليعلمهم، وأنهم يتحلقون حوله تارة يكونون حلقة أو حلقتين أو ثلاثا يستديرون حوله، وإذا ضاق بهم فإنهم يتوسعون، أمرهم الله -تعالى- بذلك في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ إذا كانوا –مثلا- ستة تحلقوا حلقة فإذا جاء ثلاثة توسعوا حتى تكون الحلقة تسع التسعة، ثم إذا جاء آخر ابتعدوا وتوسعوا وربما تكون الحلقة من عشرين، ولكن إذا كانوا بعيدين تقاربوا وجعلوا حلقة أخرى وراءهم وحلقة ثالثة ورابعة، ويقولون: إن هذه الحلقات إنها تشبه حلقات الملائكة، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن لله ملائكة سياحين في الأرض يلتمسون حلق الذكر ؛ حلق يعني القوم الذين يتحلقون للذكر أو للعلم.
في هذه القصة ذكر أبو واقد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مرة في المسجد وحوله أصحابه، وكان يحدثهم حديثا لم يذكره أبو واقد وكأنه يتعلق بالأحكام يتعلق بتعليم حكم من الأحكام أو خبر من الأخبار أو ما أشبه ذلك، ثم في أثناء تحديثه دخل ثلاثة المسجد، دخلوا من باب واحد وهم ثلاثة، ولما رأوا الحلقة اثنان منهم أقبلا وواحد خرج ولم يأت إلى الحلقة، وقفا على الحلقة رأى أحدهما فرجة فجلس فيها، الآخر رآهم متزاحمين ولم يحب أن يفرق بينهم فجلس خلفهم.
ذكر أبو واقد أنه بعدما انتهى النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديثه المتعلق بحكم من الأحكام تكلم عن هؤلاء الثلاثة.
قال: أما أحدهم: فآوى إلى الله فآواه الله. هذا هو الذي جلس في تلك الفرجة؛ آواه الله يعني حفظه ووفقه من آواه الله -تعالى- فقد وفقه، يعني حفظه وحرسه وزاده خيرا؛ لأنه لجأ إلى ربه التجأ إليه فعند ذلك آواه الله يعني وفقه.
أما الثاني: فاستحيا أن يزاحمهم فاستحيا الله -تعالى- منه كما يشاء، وصفة الحياء صفة مدحها النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: الحياء خير كله الحياء لا يأتي إلا بخير الحياء من الإيمان .
ووصف الله -تعالى- به مثل سائر صفاته نؤمن بها ولا نكيفها؛ جاء في حديث عن سلمان في سنن الترمذي وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا فوصف الله -تعالى- بأنه حيي كريم، فالحياء خلق فاضل يحمل على ما يجمل ويزين، وعلى ترك ما يدنس ويشين، وإذا كان كذلك فإن هذه الصفات نؤمن بها ولا نكيفها كسائر صفات الله -تعالى- ؛ وذلك لأن الله -تعالى- يوصف بما وصف به نفسه أو بما وصفه به نبيه -صلى الله عليه وسلم- من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تأويل.
وأما الثالث: فأعرض؛ فأعرض الله عنه؛ لما أنه لم يرغب في العلم بل خرج وقدم هواه على التعلم، وعلى الحلقات العلمية عوقب بأن الله -تعالى- أعرض عنه، وصفة الإعراض، أيضا في هذا الحديث نثبتها على ما يليق بالله- تعالى- ولا نؤولها، تكلف بعض الشراح حتى ابن حجر وأولوا هذه الصفات استحيا أولوها، وأعرض أولوها؛ يعني صرفوها وفسروها بتفاسير بعيدة، والأولى أن يقال: نثبتها على ما يليق بالله -تعالى- في سائر صفاته.
والحاصل أن في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقيم حلقات في مسجده، وكان الصحابة يحضرون عنده ويتحلقون حوله ويقرأ عليهم القصص والآيات ويعلمهم الأحكام، ثم إنه أيضا إذا عرض عارض فلا يقطع حديثه بل يستمر في حديثه حتى ينهيه، ثم بعد ذلك يتكلم في ذلك الذي اعترض.
تقدم قصة الأعرابي الذي جاء والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحدث أصحابه فاعترض وقال:يا رسول الله متى الساعة؟ ولم يجبه ولم يقطع حديثه فاستمر في حديثه حتى أكمل ما هو يحدثهم به ثم بعد ذلك أجابه أجاب ذلك السائل عن سؤاله، فيدل على أنه يكره أن يسأل المعلم إذا كان يتكلم في قصة أو في حكم حتى يفرغ، وإذا كان عند أحد سؤال -يعني يتعلق بجملة من تلك الجمل التي يقصها المعلم- فإنه يحفظها إلى أن يفرغ من حديثه كله ثم بعد ذلك يسأله، فيقول: قلت في كذا وكذا فما المراد؟
أو تكلمت بكذا أو ذكرت حديث كذا أو ذكرت جملة كذا وكذا فأخبرنا عن سببها ونحو ذلك؛ لأنه يحب أن يتواصل الحديث الذي له أول وآخر وألا ينقطع فقد يكون انقطاعه يشوش عليه إذا كان –مثلا- يتكلم عن تعريف الحمد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يحب أن يتواصل كلامه إلى أن يتم معه الآية قد يبدو لأحدهم تعريف آخر للحمد أو لموجبه أو ما أشبه ذلك، فإذا انتهى المعلم من كلامه على الآية رفع إليه السؤال ففي هذا الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يتكلم عن حكم هؤلاء الثلاثة حتى أنهى حديثه.