إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
69255 مشاهدة
بيان صفة النِّيل ومنتهاه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-
صفة النيل ومنتهاه.
قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن عباد بن سرحان بن مسلم المعافري الشاطبي قال: أخبرنا الشيخ الرئيس الزكي الحضرة أبو الرجاء إسماعيل بن أحمد بن محمد بن أحمد الحداد قراءة عليه ونحن نسمع قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن فاذويه إجازة إن لم يكن سماعا قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان قال: حدثنا أحمد بن هارون بن روح أبو بكر قال: حدثنا علي بن الوليد بن محمد بن الجراح ابن أخي وكيع ثقة، حدثنا يونس بن بكير قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: حدثني سعيد بن يزيد أحسب أنه أبو شجاع المصري عن عبد الله بن مغيث مولى الزبير عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: إن النيل يخرج من الجنة ولو التمستم فيه حين يمج لوجدتم فيه من ورقها .
قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح قال: حدثنا علي بن داود القنطري شيخ القنطري شيخ بها ذكره ابن بطال في الثقات وقال الخطيب كان ثقة ابن داود قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد رحمه الله تعالى قال: زعموا والله أعلم أنه كان رجل من بني العيص يقال له حائد بن أبي سالوم بن العيص بن أبي إسحاق بن إبراهيم وأنه خرج هاربا من ملك من ملوكهم حتى دخل أرض مصر فأقام بها سنين فلما رأى أعاجيب نيلها وما يأتي به جعل لله عليه أن لا يفارق ساحله حتى يبلغ منتهاه ومن حيث يخرج أو يموت قبل ذلك، فسار عليه فقال بعضهم ثلاثين سنة في الناس وثلاثين سنة في غير الناس، وقال بعضهم: خمسة عشر كذا وخمسة عشر كذا حتى انتهى إلى بحر أخضر فنظر إلى النيل ينشق مقبلا فصعد على البحر فإذا برجل قائم يصلي تحت شجرة تفاح فلما رآه استأنس به وسلم عليه.
فسأله الرجل صاحب الشجرة فقال له: من أنت؟ قال: أنا حائد بن أبي سالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم فمن أنت؟ قال: أنا عمران بن فلان بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم فما الذي جاء بك هاهنا يا حائد ؟ قال: جئت من أجل هذا النيل، فما جاء بك يا عمران ؟ قال: جاء بي الذي جاء بك حتى انتهيت إلى هذا الموضع فأوحى الله -عز وجل- إلي أن قف في هذا الموضع حتى يأتيني أمره فقال له حائد أخبرني يا عمران ما انتهى إليك من أمر هذا النيل وهل بلغك أن أحدا من ابن آدم يبلغه؟ قال له عمران نعم، قد بلغني أن رجلا من ولد العيص يبلغه ولا أظنه غيرك يا حائد فقال له حائد يا عمران أخبرني كيف الطريق إليه؟ قال له عمران لست أخبرك بشيء إلا أن تجعل لي ما أسألك قال: وما ذاك يا عمران قال: إذا رجعت إلي وأنا حي أقمت عندي حتى يوحى إلي بأمره أو يتوفاني فتدفنني، وإن وجدتني ميتا دفنتني وذهبت قال له: ذلك لك علي.
فقال له: سر كما أنت على هذا البحر فإنك ستأتي دابة ترى آخرها ولا ترى أولها فلا يهولنك أمرها اركبها فإنها دابة معادية للشمس، إذا طلعت أهوت إليها لتلتقمها حتى تحول بينها وبين حجبتها فإذا غربت أهوت إليها لتلتقمها تذهب بك إلى جانب البحر فسر عليها زحفا حتى تنتهي إلى النيل فسر عليها فإنك ستبلغ أرضا من حديد، حياتها وأشجارها وسهولها حديد، فإذا أنت جزتها وقعت في أرض من نحاس جبالها وأشجارها وسهولها من نحاس، فإن أنت جزتها وقعت في أرض من فضة جبالها وأشجارها وسهولها من فضة، فإن أنت جزتها وقعت في أرض من ذهب جبالها وأشجارها وسهولها من ذهب فيها ينتهي إليك علم النيل.
قال: فسار حتى انتهى إلى الأرض الذهب فسار فيها حتى انتهى إلى سور من ذهب وشرفة من ذهب وقبة من ذهب له أربعة أبواب، ونظر إلى ما ينحدر من فوق ذلك السور حتى يستقر في القبة ثم يتفرق في الأبواب الأربعة فأما ثلاثة فتفيض في الأرض، وأما واحد فينشق على وجه الأرض وهو النيل فشرب منه واستراح وانهوى إلى السور ليصعد فأتاه ملك فقال له يا حائد قف مكانك فقد انتهى إليك علم هذا النيل وهذه الجنة وإنما ينزل من الجنة فقال: أريد أن أنظر ما في الجنة فقال: إنك لن تستطيع دخولها اليوم يا حائد قال: فأي شيء هذا الذي أرى قال: هذا الفلك الذي يدور فيه الشمس والقمر وهو شبه الرحى قال: إني أريد أن أركبه فأدور فيه قال بعض العلماء: إنه قد ركبه في دار الدنيا وقال بعضهم: لم يركب فقال له: يا حائد إنه سيأتيك من الجنة رزق فلا تؤثرن عليه شيئا من الدنيا، فإنه لا ينبغي لشيء من الجنة يؤثر عليه شيء من الدنيا إن لم يؤثر عليه شيء من الدنيا بقي ما بقيت قال: فبينا هو كذلك واقفا إذ نزل عليه عنقود من عنب فيه ثلاثة أصناف لون كالزبرجد الأخضر ولون كالياقوت الأحمر ولون كاللؤلؤ الأبيض.
ثم قال: يا حائد أما إن هذا من حصرم الجنة وليس من طيب عنبها فارجع يا حائد فقد انتهى إليك علم النيل فقال: هذه الثلاثة التي تغيض في الأرض ما هي قال: أحدها الفرات والآخر الدجلة والآخر جيحان فارجع فرجع حتى انتهى إلى الدابة فركبها فلما هوت الشمس لتغرب قذفت به من جانب البحر فأقبل حتى انتهى إلى عمران فوجده حين مات فدفنه وأقام على قبره ثلاثا، فأقبل شيخ متشبه بالناس أغر من السجود فبكى على عمران ثم أقبل على حائد فسلم عليه ثم قال: يا حائد ما انتهى إليك من علم هذا النيل فأخبره فلما أخبره قال له الرجل: هكذا نجده في الكتب ثم أطرى ذلك التفاح في عينه فقال: ألا تأكل منه قال: معي رزقي قد أعطيته من الجنة، ونهيت أن أوثر عليه شيئا من الدنيا فقال: صدقت يا حائد ولا ينبغي لشيء من الجنة يؤثر عليه شيء من الدنيا، وهل رأيت في الدنيا مثل هذا التفاح إنما أنبت في أرض ليست في الدنيا وإنما هذه الشجرة أخرجها الله -عز وجل- لعمران من الجنة يأكل منها وما تركها إلا لك، ولو قد وليت عنها لقد رفعت فلم يزل يطريها في عينه حتى أخذ منها تفاحة فعضها فلما عضها عض على يده فقال: تعرفه هذا الذي أخرج أباك من الجنة، أما إنك لو سلمت بهذا الذي كان معك لأكل منه أهل الدنيا قبل أن ينفد فهو مجهودك أن يبلغك فكان مجهوده أن بلغه فأقبل حائد حتى دخل أرض مصر فهو مجهودك أن يبلغك فكان مجهوده أن بلغه فأخبرهم بهذا فمات حائد بأرض مصر رحمه الله تعالى.
قال: حدثنا أبو الطيب قال: حدثنا علي بن داود قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال: لما فتحت مصر أتي عمرو بن العاص رضي الله عنه تعالى عنه حين دخل يوم من أشهر العجم فقالوا: يا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها فقال: لهم وما ذاك قال: إذا كان إحدى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال له: عمرو رضي الله عنه: إن هذا لا يكون أبدا في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما كان قبله. فأقاموا يومهم والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء.
فلما رأى ذلك عمرو رضي الله عنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب: أن قد أصبت بالذي فعلت وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، وبعث بطاقة في داخل كتابه وكتب إلى عمرو رضي الله عنهما: إني قد بعثت إليك بطاقة في داخل كتابي إليك فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبد الله عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله -عز وجل- يجريك فأسال الله الواحد القهار أن يجريك قال: فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء منها لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله -عز وجل- ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وقطع الله -عز وجل- تلك السنة السوء عن أهل مصر إلى اليوم.
وقال رحمه الله تعالى: صفة من آخر الخلق وسعة الأرض.
قال: حدثنا أبو العباس الهروي قال: حدثنا عبيد الله بن يوسف الجبيري ويحيى بن حكيم قالا: حدثنا أبو عباد عبيد بن واقد قال: حدثني محمد بن عيسى بن كيسان الهذلي قال: حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: خلق الله -عز وجل- ألف أمة منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر .
قال: حدثنا الهروي قال: حدثنا عبيد الله قال: حدثنا نوح بن قيس الحداني قال: سمعت عون بن أبي شداد يقول: إن لله تعالى أرضا بيضاء نورها بياضها خلف مسقط الشمس فيها قوم ما يشعرون أن الله -عز وجل- عصي في أرض.
قال: حدثنا الهروي قال: أخبرنا العباس بن الوليد قال: أخبرني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عبدة بن أبي لبابة أنه حدثه: أن الدنيا سبعة أقاليم فيأجوج ومأجوج في ستة أقاليم وسائر الناس في إقليم واحد.
قال: حدثنا الهروي قال: أخبرني العباس بن الوليد قال: أخبرني أبي قال: حدثني الأوزاعي قال: حدثنا حسان قال: يأجوج ومأجوج أمتان أمتان في كل أمة أربعمائة ألف لا تشبه أمة أمة ولا يموت الرجل منهم حتى ينظر في مائة عين من ولده.
قال: حدثنا الهروي قال: حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكيم قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الكعبي قال: حدثنا أبي عن حرملة بن عمران التجيبي عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: خلقت الدنيا على خمس صور على صورة الطير برأسه وصدره وجناحيه وذنبه فالرأس مكة والمدينة واليمن والصدر مصر والشام والجناح الأيمن العراق وخلف العراق أمة يقال لها: واق وخلف واق أمة يقال لها: وقواق وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله -عز وجل- والجناح الأيسر السند وخلف السند الهند وخلف الهند أمة يقال لها: ناسك وخلف ناسك أمة يقال لها: منسك وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله -عز وجل- والذنب من دار الحمام إلى مغرب الشمس وشر ما في الطير الذنب.
قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان عن المحاربي عن أبي إسحاق عن جبلة عن مغيث بن امرأة تبيع قال: الأرض ثلاثة أنواع ثلث فيها الشجر والنسيم، وثلث البحور، وثلث قاع صفصف ليس فيها نبت ولا نسيم، والخلق ثلاثة السمك ثلث والنمل ثلث وسائر الخلق ثلث.
قال: حدثنا المصاحفي قال: حدثنا ابن البراء قال: حدثنا عبد المنعم عن أبيه عن وهب عن كعب رحمه الله تعالى قال: إن الله -عز وجل- خلق الخلق ثم جزأه على عشرة أجزاء فجعل بني آدم جزءا والجن تسعة أجزاء وبني آدم ويأجوج ومأجوج والجن جزءا والكروبيون تسعة أجزاء، وملائكة الشدة جزءا وملائكة العذاب وملائكة الغضب جزءا وملائكة الرحمة تسعة أجزاء، وبنو آدم ويأجوج ومأجوج والجن والكروبيون وملائكة الشدة وملائكة العذاب وملائكة الغضب وملائكة الرحمة جزءا، وخزان الجنة تسعة أجزاء وبنو آدم والجن والكروبيون وملائكة الشدة وملائكة العذاب وملائكة الغضب وملائكة الرحمة وخزان الجنة جزءا، والروح تسعة أجزاء ثم قرأ عليهم كعب وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ وقرأ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا وقال: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ أي حجة على الخلق كلهم.
قال نوف يا أبا إسحاق يقول الله -عز وجل- وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وقد حدثتنا بعدة جنوده فضحك كعب وقال: ما هذا الذي ذكرت في جنوده هيهات فأين قوله: وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وقد خلق خلقا لا يعلمهم إلا هو فوق هذا الخلق الأعلى، وخلق خلقا لا يعلمه إلا هو تحت هذا الخلق الأسفل، وخلق خلقا لا يعلمهم إلا هو في الهواء بين السماء وما لا نعلم أكثر وأكثر وذكر وهب رحمه الله تعالى: أن الله -عز وجل- يجمع يوم القيامة ولد آدم إنسهم وجنهم ويأجوج ومأجوج والجن والشياطين فيكونون بنو آدم وأهل السماء الدنيا كلهم جزءا واحدا، ويكون أهل سماء الدنيا تسعة أجزاء، ثم يضم أهل السماء الدنيا إلى أهل السماء الثانية وإلى أهل الأرض وإنسها وجنها وشياطينها ويأجوجها ومأجوجها، ثم يقيسهم بأهل الثانية بجميع ما فيها وأهل الأرض بجميعهم وجزءا واحدا، ويكون أهل سماء الثالثة تسعة أجزاء, ثم على هذا الحساب حتى ينتهي ذلك إلى السماء السابعة فتبارك الذي أحصى عددهم وأسماءهم وأرزاقهم وأعمارهم وقوتهم وحياتهم ومنقلبهم ومثواهم.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا هشام بن خالد الأزرق قال: حدثنا الوليد عن الفرات بن الوليد عن مغيث عن تبيع في قول الله -عز وجل- رَبُّ الْعَالَمِينَ قال: العالمين ألف أمة ستمائة في البحر وأربعمائة في البر.
قال: حدثنا أبو علي المصاحفي قال: حدثنا ابن البراء قال: حدثنا عبد المنعم عن أبيه عن وهب -رحمه الله تعالى- إن لله تبارك وتعالى ثمانية عشر ألف عالم الدنيا، منها عالم واحد وإن الله -عز وجل- خلق في الأرض ألف أمة سوى الإنس والجن والشياطين ويأجوج ومأجوج أربعمائة في البر وستمائة في البحر.
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا عباس بن الوليد أخبرني أبي عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: عراة الحبشة أكثر من هذه الأمة، والله أعلم.


هذه من العبر والآيات التي يلفت الله تعالى أنظار العباد إليها ليأخذوا منها موعظة وذكرى؛ فمن ذلك خلق هذه الأرض وجعل منها أكثرها ماء مستويا على الأرض، وهو هذه البحار ممتدة قد غطت أكثر الأرض، وجعل منها هذا الجزء الذي هو بارز ليس عليه هذا الماء، ثم جعل هذا الماء الذي هو ماء البحر ملحا أجاجا، وأجرى أيضا فوقها أنهارا عذبة تشربها أو يشربها الإنسان وتسقى بها الدواب وتسقى بها الأشجار، وأخبر تعالى بأنهما لا يختلطان, قال الله تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ العذب الفرات هو الحلو العذب والملح الأجاج هو المالح الشديد المرارة وكل منها على وجه الأرض وقال تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ وقال تعالى: وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أخبر بأنه جعل بين البحرين حاجزا لا يختلط هذا بهذا قد يمشي العذب الفرات إلى جانب الملح الأجاج، ومع ذلك لا يمتزج به ولا يختلط بقدرة الله سبحانه وتعالى.
لا شك أن هذا من آيات الله العجيبة وأخبر بأنه سخر هذا البحر وهو الذي سخر البحر لتجري الفلك فيه بأمره؛ الفلك السفن تجري فوق هذا الماء وتحمل الأمتعة ويركبها الناس من جانب إلى جانب ويحملون فيها ما يحتاجون إليه، هذا بلا شك تقدير الله تعالى يقول: وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وجعل في هذا البحر عجائب من المخلوقات، وجعل فيه أيضا جواهر قال تعالى: لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا يستخرج من البحر جواهر ولؤلؤا وزبرجد وحلية من أنواع ما يتحلى به مما له قيمة رفيعة، كل ذلك في هذا البحر.
وأما الماء العذب فإنه جعله لأجل أن يسقي الناس منه أشجارهم ودوابهم ويشربون منه ويعيشون عليه ومن ذلك هذا النيل الموجود في مصر المشهور ورد في حديث في الصحيح أن: أربعة أنهار في الدنيا من الجنة؛ النيل والفرات وسيحون وجيحون هكذا جاء في هذا الحديث فالنيل في مصر والفرات في العراق والبقية حيث شاء الله تعالى، هذه الأنهار ذكر أنها من أنهار الجنة هذا الأثر الذي مر بنا عن هذا الرجل الذي نذر أن يمشي يتبع مجرى النيل إلى أن ينظر من أين ينبع، ومن أين خرج. القصة فيها ضعف ويمكن أنها مكونة لا تثبت، النيل قد ذكر أنه يجري من جبال في الجانب الجنوبي من مصر أو قريب من السودان وأن تلك الجبال ينزل عليها الماء المطر، ويكون فيها مستودعات تمتلئ من الماء ثم تفيض وتنزل، ولا مانع من أن يكون ذلك من أنهار الجنة؛ أي أن هذا الماء الذي ينزل على تلك الجبال ثم ينزل مع ذلك المجرى الذي هو مجرى النيل أنه من أنهار الجنة أو من ماء الجنة كما يشاء الله تعالى أجراه بحكمته ولو شاء لأوقفه، وكذلك أيضا الفرات له أيضا أماكن يجري منها يعني ينزل من السماء على أماكن مرتفعة، وتكون كمستودعات تمتلئ من مطر السماء الذي هو ماء عذب، ثم بعد ذلك ينزل من تلك المرتفعات ويجري مع ذلك المكان يجري إلى أن يصل إلى حيث شاء الله تعالى فيتلقاه الناس ويشربون ويصرفونه.
وهكذا كثير من الأنهار كنهر دجلة أيضا في العراق وغيره من الأنهار التي يجريها الله تعالى من حيث يشاء وفيها مصالح للعباد وفيها منفعة عظيمة لا يعرف قدرها إلا من انتفع بها، ثم سمعنا أيضا قصة أهل مصر أولا قبل الإسلام لما فتحت مصر في أول عهد عمر رضي الله عنه، وكان الذي فتحها عمرو بن العاص جاء إليها بجيش من المسلمين، ولم يكن هناك مقاومة ولا قتال فدخلها بدون مقاومة وأسلم أهلها ثم إنهم لما أسلموا تمكن الإسلام منهم، ولما جاء الوقت الذي يعرفونه قالوا لعمرو بن العاص إن لهذا النيل عادة نتبعها لا بد منها، ما هي هذه العادة؟ قالوا: نأخذ جارية يعني امرأة بكرا من بين أبويها ونرضي أبويها، ونلبسها حللا وحليا وزينة ونرمي بها في هذا الماء فإذا رمينا بها سار ومشى واستمر مشيه، وإذا لم نفعل توقف هذا النيل ولما أخبروا عمرو بن العاص قال: إن هذا لا يجوز في الإسلام وذلك لأنه يعتبر تقربا إلى غير الله تقربا بهذه المرأة البريئة إلى هذا الماء، فلما لم يوافقهم على ذلك توقف جريانه بإذن الله.
وقد تقول لماذا؟ الجواب: أن هذا ابتلاء وامتحان من الله ابتلاء منه، وأيضا يمكن أن يكون الشيطان له حيلة في ذلك، فالشياطين لها حيل فيمكن أن الشياطين حبسوا مجاري ذلك الماء حتى يشركوا بهذا الشرك كأن أهل مصر قبل الجاهلية يعبدون الشياطين ويعبدون ذلك الماء فيذبحون له أو يلقون فيه هذه المرأة البريئة حتى يخلي الشيطان مجراه فينفتح ويجري فتنة وابتلاء لما لم يلقوا فيه الجارية وقف وبقي لا يجري منه قطرة، أهل مصر يعيشون على هذا النيل يفضلونه على أموالهم وعلى حروثهم وعلى أشجارهم وعلى آبارهم، ومنه يشربون ومنه يسقون دوابهم ومنه يسقون حروثهم، ولما توقف تضرروا بذلك حتى كادوا أن ينتقلوا إلى بلاد أخرى؛ لأن بقاءهم بإذن الله على هذا الماء ولما علم بذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بهذه القصة وبهذا الأمر فمدحه وأثنى عليه عمر وشجعه على قطع هذه العادة الجاهلية، وأرسل إليه بطاقة صغيرة مكتوب فيها من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد، فإن كنت تجري من نفسك فلا حاجة لنا فيك، وإن كان الله هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك. أمر عمرو بن العاص أن يلقي هذه البطاقة في ذلك الماء في ذلك النيل ولما ألقاها انقطعت حيل الشيطان، وأجرى الله ذلك الماء وأصبحوا في صبح ذلك اليوم، وقد ازداد جريانه ستة عشر ذراعا يعني زيادة على ما كان عليه فانقطعت تلك العادة هذا من الابتلاء، وذلك أن الشيطان قد يكون له حيلة في إيقاف تلك العيون حتى لا تنبع بحيله.
يذكرون ذلك كثيرا يذكرون لنا قوما أنهم حفروا بئرا وعجزوا عن أن يدركوا منها الماء فعند ذلك دعوا الله تعالى وطلبوا منه وقرءوا فيها فانفجرت العيون، وذكر لنا أن عيونا كانت في الأحساء كانت تتوقف أحيانا وكان الرافضة الذين هناك في ليلة كل جمعة يذبحون عندها كبشا فيقولون: إن ذلك سبب لجريانها وأنهم إذا لم يفعلوا توقف جريانها ابتلاء وامتحانا، ولما استولت الحكومة وفتحت الأحساء وما حوله انقطعت تلك العادة، وانقطع ذلك الشرك وأصبحت العيون تنبع كما شاء الله إلى أن غارت المياه في هذه الأزمنة بسبب قلة الأمطار ونحوها.
وبكل حال.. فإن هذا دليل على أن هذه العيون وهذه الأنهار تجري بأمر الله، وأنه هو الذي يسيرها إذا شاء ويوقفها إذا شاء.