الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
70508 مشاهدة
بيان التفكر في عجائب خلق الله تعالى وأثره الإيماني

...............................................................................


ولذلك تكلم العلماء المحققون على خلق الإنسان, وبيان ما فيه من عجائب خلق الله تعالى, فتكلم ابن القيم رحمه الله في كتابه الذي هو : ( التبيان في أقسام القرآن) عند الآية التي في سورة الذاريات : وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ .
وكذلك تكلم أيضا في المجلد الأول من كتابه الذي سماه مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة وبالغ في ذكر العجائب في هذا الكون، وما فيه من الآيات وما فيه من العبر، لم يقتصر على خلق الإنسان بل بين ما في خلق الحيوانات وعجائب المخلوقات والنباتات من عجائب الخلق.
وهكذا أيضا هناك عالم يقال له القزويني ألف كتابه الذي سماه عجائب المخلوقات وبين ما في هذه المخلوقات من العجائب ومن الآيات والعبر، كل ذلك ليستدل بها الإنسان على أنه ما خُلق عبثا، وعلى أنه لا بد محاسب ومجازى على عمله.
وهكذا أيضا هذا الكتاب الذي نقرأ فيه فإنه يستدل بهذه الآيات الكونية على قدرة وعظمة من أوجدها وخلقها؛ وذلك لأن ربنا سبحانه وتعالى نصبها آيات وجعل فيها عبرا، فإذا نظرنا في الأرض وما عليها لا شك أن فيها آيات بينات ولأجل ذلك قال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ يعني في نفس الأرض إذا نظر فيها وما فيها من الآيات من النباتات ونحوها، إذا نظرنا إلى أن الأرض كانت هامدة فينزل الله تعالى عليها هذا المطر من السماء ويجعله ماء مباركا ففيه البركة فينبت هذا النبات نباتا كثيرا وتختلف ألوانه؛ مختلفة ألوانه زهوره وطعومه وألوانه وروائحه وأشكاله وثماره وأوراقه مختلفة مع أن أمه واحدة وهي الأرض ولقاحه واحد وهو هذا المطر.
وكذلك أيضا ما ينبته الإنسان؛ حيث جعل الله تعالى هذه الأرض رخاء تنبت ولو جعلها صفاةً ما أنبتت ولهلك من عليها، وكذا لو جعلها معادن لهلك من عليها ولم تنفعهم تلك المعادن، ولو كانت ذهبا أو فضة أو عقيانا أو جوهرا أو نحو ذلك، لا تنفعهم ولا يعيشون وهم عليها إلا إذا جعل الله تعالى فيها هذا النبات وجعلها قابلة له.
وكذلك أيضا إذا تأملنا في أن هذا الماء ينزل من فوقنا؛ لا ندري كيف يتكون، يسوقه الله تعالى يرسل هذه الرياح التي هي رياح شديدة خفيفة أو قوية، فإذا أرسلها سبحانه أثارت هذه السحب، فلو اجتمع الخلق كلهم على أن يثيروا هذه الرياح ما قدروا عليها ولو اجتمعوا على أن ينشئوا هذه السحب ما قدروا على إنشائها، وكذلك أيضا حملها هذا الماء؛ الماء الفرات وجعله فيها إذا شاء حبس المطر عن الأرض وإذا شاء أغدق عليهم الماء وأنزله عليهم وأخبر النبي-صلى الله عليه وسلم- بأنه رزق لهذه البهائم، ولذلك قال: ولولا البهائم لم يمطروا مع أن فيه رزقا لهم.
وكذلك أيضا ما على هذه الأرض وما بث فيها من هذه الدواب المتنوعة، إذا تأمل الإنسان في خلقها وأن ربنا سبحانه ما أهمل منها شيئا، بل كل دابة وكل طائر صغير أو كبير فقد يسر له رزقه وقد ألهمه كيف يبقى، ألهمه كيف يتوالد كما في قول الله تعالى: الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى أعطى كل شيء من هذه المخلوقات خلقه وألهمه كيف يبقى.
إذا تأملت في أدنى الحيوانات وأصغرها أخذت من ذلك عجبا واستدلالا على أنها خلقت بإحكام، وأن الذي أوجدها هو الذي يقدر على أن يعيدها وأنه خص الإنسان وميزه بأن سخر له هذه المخلوقات وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وميز الإنسان بأن أنطق منه اللسان وفضله بالعقل والإدراك وأعطاه القوة على العمل والتكسب، وألهمه وعلمه كيف يتكسب وكيف يحصل على ما يعيش به نفسه كل ذلك بفضل هذا الإنسان.
ثم إنه تعالى كلف الإنسان لما منَّ عليه بحسن الخلق أمره ونهاه؛ أحل له الحلال وحرم عليه الحرام، ووعده إذا امتثل ما أمر به أن يفوز بدار في دار كرامة الله في دنياه وأخراه، وتوعده إذا خالف وعصى أن ينتقم منه وأن يعجل له العقوبة في الدنيا أو يؤخر له العقوبة والعذاب الأخروي الذي هو أشد وأبقى.
فإذا رزق الله الإنسان عقلا وإدراكا انتبه لذلك ولم يضيع عليه وقته وعمل لآخرته، أما إذا سلب هذه المعرفة فإنه يبقى شرا من حال البهائم، كما في قول الله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا أي حال الذين لم يلتفتوا إلى ما خلقوا له ولم يعتبروا بما بين أيديهم وما خلفهم أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ يعني لا يهوى شيئا إلا ركبه أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا فهذه حال الذين وفقهم الله تعالى ورزقهم عقولا ذكية يدبرون بها أنفسهم، وحال الذين سلبوا عقولهم، ولم يعتبروا فيما بين أيديهم وفيما خلفهم نعوذ بالله من الحرمان ونسأله الله العفو والغفران. والآن نواصل القراءة.