اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
20728 مشاهدة
العقوبات المالية

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-
فصل: وأما التغيير فمثل ما روى أبو داود عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس فإذا كانت الدراهم أو الدنانير جائزة فيها بأس كسرت.
ومثل تغيير الصورة المجسمة وغير المجسمة إذا لم تكن موطوءة؛ مثل ما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل فقال إني أتيتك الليلة فلم يمنعني أن أدخل عليك البيت إلا أنه كان في البيت تمثال رجل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فأمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، وأمر بالستر يقطع فيجعل في وسادتين منتبذتين توطآن، وأمر بالكلب يخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا الكلب جرو كان للحسن والحسين تحت نضيد لهم .
رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
وكل ما كان من العين أو التأليف المحرم فإزالته وتغييره متفق عليها بين المسلمين؛ مثل إراقة خمر المسلم، وتفكيك آلات الملاهي، وتغيير الصور المصورة، وإنما تنازعوا في جواز إتلاف محلها تبعا للحال، والصواب جوازه كما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف، وهو ظاهر مذهب مالك وأحمد وغيرهما، والصواب أن كل مسكر من الطعام والشراب فهو حرام. ويدخل في ذلك التبغ والمزر والحشيشة القنبية وغير ذلك.
وأما التمليك فمثل ما روى أبو داود وغيره من أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيمن سرق من الثمر المعلق قبل أن يؤويه إلى الجرين- أن عليه جلدات النكال وغرمه مرتين، وفيمن سرق من الماشية قبل أن تأوي إلى المراح أن عليه جلدات النكال وغرمه مرتين.
وكذلك قضى عمر بن الخطاب في الضالة المكتومة أن يضعف غرمها. وبذلك كله قال طائفة من العلماء مثل أحمد وغيره.
وأضعف عمر وغيره الغرم في ناقة أعرابي أخذها مماليك جياع فأضعف الغرم على سيدهم ودرأ عنه القطع.
وأضعف عثمان بن عفان في المسلم إذا قتل الذمي عمدا أنه تضعف عليه الدية؛ لأن دية الذمي نصف دية المسلم وأخذ بذلك أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- .


هذه من العقوبات المالية لمن فعل جرما أو ذنبا يستحق أن يعاقب بعقوبة مالية تزجره وينزجر أمثاله، وقد يضاف إلى هذه العقوبة المالية عقوبة بدنية.
فـ فمن العقوبات المالية إتلاف المحرمات على أهلها ؛ إذا اقتنوا شيئا من المحرمات التي يحرم اقتناؤها فإن إتلافها عقوبة لهم، ولو اشتروها بأموال طائلة، فإنها لما كان محرما اقتناؤها والعمل بها لم يكن لها قيمة، ولم يكن لها حرمة فتتلف على أهلها.
فيدخل في ذلك الخمور؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أتلفها على أهلها لما حرمت، وأتلف أيضا أوانيها وظروفها؛ حيث جاء ومعه بعض الصحابة معهم السكاكين فمزقوا تلك الظروف حتى سالت الخمر التي فيها؛ وذلك لأنها أصبحت لا قيمة بها.
ويلحق بها أيضا إتلاف المخدرات التي هي أيضا من جملة المحرمات، مثل: الحبوب المخدرة، فإنها ضارة وفيها آفات وفيها شرور، فإذا عثر عليها فإنها تتلف، ولو كان قد بذل فيها أموالا كثيرة، ولو كان هناك من يشتريها بأموال طائلة، لا قيمة لها.
وكذلك أيضا ما يسمى بالحشيش، الحشيشة وهي نبات يأكلون أوراقه يحدث لهم أمراضا، وفيه أيضا خسارة ولو كان لذيذا عندهم فإنه محرم وضار.
وذكر شيخ الإسلام يقول: إن مثل الخمر كالأبوال، ومثل الحشيشة كالعذرة؛ يعني تقبيحا له وتبشيعا لهذه الحشيشة التي يستحسنها هؤلاء الذين انتكست فطرهم، نعوذ بالله، إذا عثر عليها فإنها تتلف وتذهب ماليتها على أهلها.
ومثل ذلك أيضا هذا التتن الذي هو دخان التبغ لما كان ضارا ولا فائدة فيه، وإنما فيه خسارة كان إتلافه هدرا إذا استولي عليه يتلف ويحرق، ولو أن أهله اشتروه بأموال طائلة؛ فإنه لا قيمة له، وأنه محرم ضار ليس فيه فائدة أصلا، وإنما فيه مضار وفيه الخسران المبين.
ذكر لنا بعض مشائخنا لما فتحت مكة في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- نوب جماعة من المشائخ من العلماء أن يطهروا مكة عن ما فيها من المحرمات، فطلبوا منه أن يعطيهم الصلاحية فأعطاهم الصلاحية.
فكانوا يدخلون على المستودعات وفيها مخازن التنباك فيخرجونه ويحرقونه في الأسواق، وكذلك ما يجدونه من الحشيشة ونحوها يحرقونه والناس ينظرون، ويعاقبون من يشربه؛ من وجدوه يشرب الدخان جلدوه أربعين جلدة، جلدوه أمام الناظرين؛ لأنه يتعاطى شيئا محرما ضارا غير مفيد أصلا، فإتلافه إهدار لماليته، وعقوبة من يتعاطاه زجر لأمثاله، زجر له وزجر لمن يتعاطاه من الذين يشربونه أو يقعون فيه.
كذلك أيضا ما يعرف بالقات الذي هو شجر ينبت في بعض البلاد الجبلية، ثم يؤخذ ورقه ثم يأكله بعض الناس بعد أن يبذلوا فيه أموالا طائلة، يشترونه بأموالهم ولا فائدة فيه؛ بل فيه مضرة فرائحته كريهة وطعمه كريه، ولو استحلوا طعمه فإنهم ليسوا عبرة.
فإن هناك من يستحلي ما هو مر؛ كبعض الدواب التي تستحلي الحنضل.
فعرف بذلك أن هذه المحرمات لا قيمة لها، وأنه إذا عثر عليها فإن العقوبة إتلافها على أهلها.
وكذلك أيضا الصور المنصوبة يجب أيضا إتلافها ولا غرامة على من أتلفها؛ وذلك لأنها -كما سمعنا- تمنع دخول الملائكة، إذا كانت صورا كاملة مصورة مرسومة، لها الرأس والوجه والفم والأنف والجبين والخد والذقن والعنق ونحو ذلك.
في هذه القصة أنه كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ستر ستارة على نافذة من النوافذ، وفي تلك الستارة تمثال -تمثال إنسان- وأن الملك جبريل لم يدخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لوجود ذلك التمثال، ولوجود كلب فيه، والملائكة لا يدخلون بيتا فيه صورة ولا فيه كلب، فجبريل أمر أن يُطمس رأس ذلك التمثال حتى يكون كهيئة الشجرة، إذا طمس رأسه بقيت الجثة ليس فيها حركة، والغالب أنها لم يكن لها قوائم فيكون كهيئة شجرة.
وأمر بذلك القرام الذي فيه هذه الصور أن يشقق وأن يجعل منه وسائد؛ يعني مخدات أو مساند يجلس عليها وتمتهن وتكون منبوذة؛ وذلك بعدما تشقق، والتشقيق يأتي على الصورة فيطمسها ويشقها ولا يبقى لها جرم، فجعل ذلك إتلافا لها.
فإذا عثر على هذه على هذه الصور فإنها تتلف ولا قيمة لها، ولا غرامة على من أتلفها، ولو كان أهلها اشتروها أو بذلوا فيها مالا؛ لأن ذلك اقتناء لفعل محرم.
ثم لا شك أيضا أن العقوبة أو الإتلاف يأتي على ما يشابه ذلك؛ في هذه الأزمنة توجد آلات اللهو؛ فالأفلام الخليعة لا قيمة لها تتلف إلا إذا كان ينتفع بها فيسجل عليها شيء له فائدة، وكذلك أشرطة الكاسيت إذا كانت أغاني وملاهي من أتلفها فلا غرامة عليه، وإن كانت يستفاد منها بأن يسجل عليها محاضرات أو تذكير أو نحو ذلك صودرت على أهلها ولا يعطون لها قيمة؛ لأنه لا قيمة لها إذا كانت كذلك؛ أي فيها هذه الأغاني.
يلحق بذلك جميع آلات الملاهي؛ فالعود الذي يلهى به إذا أتلف فلا قيمة له، وكذلك الرباب لا قيمة لها إذا أتلفت، وكذلك الطبول لا قيمة لها إذا أتلفت ولا غرامة على من أتلفها، وكذلك الشطرنج وما أشبهه من آلات الملاهي فمن أتلفها فلا غرامة عليه إذا كان قصده من إتلافها الغيرة، أنه أراد بإتلافها أنها محرمة.
ومثلها أيضا هذه الأجهزة التي هي الطباق التي في ظهور بعض البيوت؛ الدشوش التي تتلقى الأشياء المحرمة؛ تبث الصور الفاتنة والصور المحرمة فينتج من آثار اقتنائها وقوع في الفواحش وفي المنكرات وما أشبه ذلك، هي أيضا من الآلات المحرمة. هذا في إتلافها.
ذكروا أيضا عقوبة من يتعاطاها، وأنه قد لا يقتصر على الإتلاف، بل يعاقب بجلدات؛ أن يجلد جلدات تزجره وتزجر أمثاله سواء كانت له أو لغيره؛ فمثلا الذين يستعيرون هذه الصور وهذه الأفلام للفرجة وللنظر أو يستأجرونها، لا شك أنهم يعتبرون عصاة، فقد لا ينزجرون إذا أتلفت، لأنها ملك لغيرهم، ولكن يعاقبون بالجلد، يجلدون جلدات ينزجر بها أمثالهم، ويرتدعون عن تعاطي هذه المحرمات، هذه من العقوبات.
وذلك لأن ترك هذه المحرمات تتفشى سبب لفشو المعاصي؛ فإن الأغاني فتنة يكون من آثارها فساد العباد والبلاد، يكون من آثارها فشو المعاصي فشو الزنا وارتكاب الفواحش، وما أشبه ذلك كما هو الواقع؛ كالذين يشاهدون تلك الصور التي تتلقى بواسطة القنوات الفضائية التي تبث هذه الشرور، فإذا أتلفها إنسان لو رماها مثلا فتلف هذا الطبق فلا قيمة له، وقد يعاقب من يقتنيه يعني حتى يرتدع عن اقتنائه.
فالحاصل أن ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- من عقوبات هذه المعاصي وإتلافها قياسا على إتلاف الصور المحرمة وما أشبهها هو القول الذي يؤيده الدليل؛ لأنه من تغيير المنكر.
ذكر أيضا بعد ذلك التغريم لمن فعل على ذنبا، ويسمى أيضا التنكيل، هذا التنكيل تغريم أموال، عقوبات مالية يغرمها الإمام أو وكيله لأهل المخالفات؛ فمثلا السرقة من غير حرز لا قطع فيها ولكن فيها التغريم، لو جاء إنسان إلى أكياس في الأسواق، جاء في الليل وليست في حرز فأخذ منها كيسا وذهب به، ثم عثر عليه فعقوبته التغريم؛ أنه يرد ذلك الكيس ومثله معه عقوبة مالية.
وكذلك لو جاء إلى البُر بعد حصاده وهو في الجرين الذي يجمع فيه حتى يصفى، فأخذ منه صاعا أو آصعا بغير إذن أهله؛ لأن أهله قد ينامون في الليل ولا يحرسونه، إذا عثر عليه فإنه يغرم بأن يرد ما أخذ ومثله معه أو أكثر منه إذا رئي ذلك زاجرا. هذا من العقوبات المالية.
كذلك المخالفات النظامية أيضا يغرم أصحابها بهذه المخالفات؛ وذلك لأن تعاليم البلاد التي ينظمون بها بلادهم، ويسببون بها تماسك البلاد وعدم الفوضى فيها، انتظام هذه النظم مما يأمن للبلاد استقرارها وأمنها ورخاءها، لا شك أن هناك من يخالف هذه التنظيمات وما أشبهها، فيجوز للإمام معاقبة هؤلاء الذين يخالفون تلك التعليمات التي فيها مصلحة وأمن للبلاد والعباد، وإبعاد للضرر عن المواطنين، إبعاد للضرر الذي يلحق بقية المواطنين ونحوهم.
ولو كانوا قد يقولون: إننا نتصرف في أموالنا كما نشاء، فالجواب: أن هذا التصرف إذا كان فيها ضرر فإنه ممنوع؛ فمثلا إذا حدد بيع سلع أية سلع، ثم جاء من نقص من ذلك السعر، وقال: الناس يبيعون بعشرة وأنا أبيع بخمسة، سواء كان يربح أو لا يربح، لا شك أنه يضر بالآخرين؛ حيث إن الناس ينصرفون إليه مثلا ويتضرر الآخرون الذين تكسد سلعهم، فيجوز معاقبته؛ حيث أنه كسر سعر الأسواق.
ومثل ذلك أيضا المخالفات الأخرى؛ فإذا منع مثلا توريد بعض السلع -فجاء بها من- وردها تهريبا استحق أن يعاقب وأن يغرم.
وكذلك أيضا إذا منع بيع بعض الأشياء الضارة أو الفاسدة؛ كالفواكه والخضار التي هي فاسدة، وأكلها يحدث أمراضا، فجاء من يبيعها ويغش بها يستحق أيضا أن يغرم وأن يعاقب؛ لأنه قد يوقع الذين يأكلونها في أمراض، وقد يقعون في غش بحيث يعتقدونها صالحة وهي ليست صالحة.
وهكذا لو أدخل مع الحلال حراما ولبّس فيه؛ كما لو خلط لحم مذكاة بلحم ميتة، وباعها وهو يعلم أن هذه ميتة فعثر عليه فإنه يغرم ويعاقب.
وهكذا من يتعاطى أنواعا من أنواع الغش الذي فيه ضرر بالمتعاملين يستحق أن يغرم وأن يعاقب بما ينزجر به.
ونعرف بذلك أن الشريعة جاءت لمصالح العباد وأن كل ما فيه مصلحة العباد والبلاد فإن الشرع يهدف إليه، ولو لم يكن عليه آية أو حديث منصوص، لكنه يدخل في القواعد العامة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار .
وكقوله صلى الله عليه وسلم: من ضار مسلما ضاره الله ومن شاق مسلما شق الله عليه وأشباه ذلك من القواعد.
فينتبه لمثل هؤلاء ويرفع بأمرهم حتى لا يعم ضررهم وللكلام صلة يأتي في الدروس الآتية إن شاء الله . نستمع إلى الأسئلة.
الأسئـلة
س: هل يجوز تكسير أشرطة الأغاني المحرمة والموجودة في سيارات بعض الأقارب دون علمهم، أو رمي هذه الأشرطة من السيارة وذلك عندما أستعيرها من أحدهم ؟
إذا كانت أغاني ماجنة فإنه يجوز إتلافها إذا قدرت عليها، ولم يترتب على ذلك ضرر؛ أما إذا خشيت من قطيعة ومن ضرب ومن تنكيل أو شكايات أو مرافعات فإن الشرور تدرأ بما يستطاع .