من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
21006 مشاهدة
بحث في : الأسباب التي شرعت من أجلها الولايات

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-
والولايات كلها: الدينية مثل إمرة المؤمنين، وما دونها: من ملك، ووزارة، وديوانية، سواء كانت كتابة خطاب، أو كتابة حساب لمستخرج أو مصروف في أرزاق المقاتلة أو غيرهم، ومثل إمارة حرب، وقضاء وحسبة.
وفروع هذه الولايات إنما شرعت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مدينته النبوية يتولى جميع ما يتعلق بولاية الأمور، ويولي في الأماكن البعيدة عنه، كما ولى على مكة عتاب بن أسيد -رضي الله عنه- وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- وعلى قرى عرينة خالد بن سعيد بن العاص -رضي الله عنه- وبعث عليا ومعاذا وأبا موسى -رضي الله عنهم- إلى اليمن وكذلك كان يؤمر على السرايا ويبعث على الأموال الزكوية السعاة، فيأخذونها ممن هي عليه ويدفعونها إلى مستحقيها الذين سماهم الله في القرآن، فيرجع الساعي إلى المدينة وليس معه إلا السوط، لا يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيء إذا وجد لها موضعا يضعها فيه.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستوفي الحساب على العمال، يحاسبهم على المستخرج والمصروف، كما في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقات، فلما رجع حاسبه، فقال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بال الرجل نستعمله على العمل بما ولانا الله فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إليّ؟ أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا نستعمل رجلا على العمل مما ولانا الله فيغل منه شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيرا له رغاء، وإن كانت بقرة لها خوار، وإن كانت شاة تيعر، ثم رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بغلت؟ قالها مرتين أو ثلاثا .
والمقصود هنا: أن هذه الأعمال التي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها غير الإنسان صارت فرض عين عليه، لا سيما إذا كان غيره عاجزا عنها، فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجبا؛ يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يمكنهم بمطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل، ولا يمكن الناس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم.
كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم ألزم مَنْ صناعته الفلاحة بأن يصنعها لهم، فإن الجند يلزمون بأن لا يظلموا الفلاح؛ كما ألزم الفلاح أن يفلح للجند.


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد ما ذكره -رحمه الله- من الأمور المعتادة التي يعرفها الناس بأفكارهم، وقد جعل الله تعالى في قلوب الناس وفي ميولهم ما يحملهم على القيام بهذه الأعمال لنظرهم ولما يرون من المصلحة.
فمعلوم أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى عمال بحاجة إلى من يعمل؛ فمثلا الملوك يعتبرون ولاة؛ لهم ولاية تخصهم يدخل فيها ما تحت ولايتهم، وكذلك الوزراء لهم ولاية أيضا يدخل فيها ما يمكنهم أن يعملوه بهذه الولاية بسبب كونهم وزراء للملوك ونحوهم، وكذلك الأمراء يدخل في ولايتهم ما يمكنهم أن يتصرفوا فيه.
ولم يزل المسلمون من العهد النبوي يعملون أو يولون مثل هذه الأعمال؛ فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتولى كثيرا من الأعمال بنفسه؛ فيتولى الحكم بين الناس فيما يختلفون فيه، ويتولى تنفيذ السرايا والجيوش والغزاة ونحوهم، وكذلك يؤمر الأمراء على السرايا ونحوهم، فكان إذا بعث سرية أو جيشا أمر عليهم أميرا يرى أن فيه الكفاءة والأهلية وأنه يقوم بما يسند إليه، ومع ذلك كان يوصيه وكان يوصي كل أمير؛ يوصيه بتقوى الله وبمن معه من المؤمنين خيرا، يوصيه بأن يعدل فيهم وبأن يرفق بهم وبأن يواسيهم ولا يفضل أحدا على أحد بمحابة أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضا يحثه على أن يعدل بينهم، وأن يحكم بينهم بما يراه مناسبا وصوابا.
ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذا إلى اليمن ولما بعثه تولى أربع ولايات؛ فتولى القضاء فيما يختلفون فيه؛ وذلك لما عنده من المعرفة والعلم، وتولى الفتيا وبيان الأحكام التي يحتاجون إليها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه من العلوم ونحوها، وتولى جباية الزكوات والصدقات وتوزيعها على أهلها، وتولى تعليمهم ما يجهلونه؛ فبعثه داعيا إلى الله تعالى وقاضيا وجابيا للزكاة ومعلما ومرشدا.
وكذلك لما اتسعت البلاد أتبعه بثلاثة؛ أتبعه بعلي والٍ على.. وأبي موسى ولاه.. كل منهما ولاه جهة .. فهذا دليل على أن الجيوش ونحوها والبلاد ونحوها لا بد لها من ولاة يتولون أمرها، ويحكمون في أهلها ويقيمون فيهم حدود الله ويعلمونهم.
على الولاة الأمر أن يختاروا من هو كفء لما يقوم به من الولاية وأهل لذلك، ولا يحملهم حنان أو نحوه على أن يولوا من ليس بكفء؛ فلا يولى الوالي إلا بعد ظهور أهليته وكفائته ومعرفة قيامه بما يسند إليه؛ سواء كان أميرا أو وزيرا أو قاضيا أو مدرسا معلما أو مفتيا أو داعيا أو كاتبا أو حارسا أو بوابا أو مبلغا أو مراسلا أو نحو ذلك؛ كل هذا لا بد أن يكون الذي يتولاه من ذوي الأهلية والكفاءة، فهذا من الولايات العامة أو الخاصة.
كذلك أيضا يقول العلماء: إن هذه إذا تعينت على إنسان ولم يوجد من يقوم بها لزمه أن يقبل ذلك وأن يتولاه، فإذا وجد من هو أهل للدعوة وجب عليه القيام بها إذا لم يقم بها غيره؛ إذا وجد من هو أهل للقضاء ولم يقم به غيره تعين عليه؛ إذا وجد من هو أهل للخطابة أو أهل للإمامة تعين ذلك عليه ولزمه وله ما يستحقه على من يوليه.
كذلك أيضا الحاجات والضرورات التي تمت إليها حاجة الأمم لا بد وأن يولي من يقوم بها فإنها من ضروريات الحياة، فلو أن الناس مثلا كلهم تركوا الزراعة والغراسة ونحوها؛ لتضرر المواطنون لم يجدوا ما يقتاتون به؛ فيلزم الإمام طائفة يقومون بالحرث، وينتجون ما يكفي المجتمعات، ويعطون من قيمة ذلك ما يكفيهم وما يقابل تعبهم حتى لا يتعبوا مجانا.
وكذلك أيضا لا بد أن يكون هناك من يتعلم الحرف اليدوية التي يحتاج إليها، فلو أن الناس كلهم تركوا النساجة؛ فمن أين يكتسي الناس؟ لا بد أن يكون هناك من يقوم بهم الكفاية يتعلمون النساجة أو الدباغة أو الخرازة مثلا أو الخياطة أو الحدادة أو النجارة أو غيرها من الحرف اليدوية؛ التي يضطر الناس إلى أن يوجد من يكفي، فإذا وجد من هم قادرون على ذلك أمر الناس بأن يعطوهم مقابل أتعابهم؛ يشتروا منهم بما يكون مقابلا لأتعابهم حتى لا يتعبوا مجانا، والناس مضطرون إلى هذا وعارفون له.
وكذلك أيضا على كل من ولاه الله تعالى ولاية أن يؤدي ما ألزم به ويعرف بأن هذه أمانة وأن الأمانة لا بد من أدائها؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ فيعلم أنه مسئول عن أداء هذه الأمانة، فإذا أداها استحق ما بذل له، وإذا خان في ذلك أو قصر فيه فإن ما يأخذه ليس بمباح له ولا حلال بل يعتبر أخذ ما لا يستحقه، فعليه أن يشعر بأنه مسئول، إما مسئولية في الدنيا وإما مسئولية في الآخرة، إن هذا هو الذي يجب عليه.
ولهذا في قصة ذلك الرجل الذي يقال له ابن اللتبية الذي أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- ليجمع الزكاة من الموالي، فلما جاء إلى المدينة وإذا هو قد عزل جانبا أو قسطا كبيرا منها وادعى أنها هدية، قال: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، فعرف النبي- صلى الله عليه وسلم - أنهم ما أهدوا إليه إلا لأجل أن يتغاضى عنهم، وأن يقلل مما يجب عليهم، فعرف أن هذا من حق الله تعالى.
وذلك لأنه مثلا إذا جاء إلى قوم وزكاتهم مثلا أربعة من الغنم أهدوا إليه شاة، فإنه قد يأخذوا اثنتين ويعفو لهم عن واحدة، أو يأخذ ثلاثا أو أربعا هزيلة يدفعونها إليه وهي أقل من الحق الذي عليهم؛ فيتغاضى ولا يشدد عليهم؛ لأنهم أكرموه بما أعطوه وبما أهدوا له فيكسر ذلك قلبه ويرققه لهم.
وهكذا مثلا إذا جاء الذين يقبضون زكوات الحروث كزكوات الأشجار مثلا النخيل أو الزروع أو ما أشبهها، إذا أكرمهم صاحب الزرع أو صاحب النخل فإنهم قد يتغاضون عما يجب عليه فلا يأخذون منه إلا نصف الواجب أو ثلثه؛ فيكون إكرامهم له سببا في تغاضيه عن شيء من حق الفقراء؛ فلذلك يقال: إن عليهم ألا يستضيفوا أحدا من أهل تلك الحروث أو الزروع ونحوها، ولا يستضيفوا أيضا أحدا من أهل المواشي إبلا أو غنما أو نحوها، ولا يقبلوا منهم هدية مخافة أنهم يسقطون عنهم شيئا من الذي فرضه عليهم. وهكذا أيضا كل مسئول في جهته لا يجوز له أن يأخذ هدية أو يتعامل مع أحدهم معاملة خاصة مخافة أن يستميل قلبه.
فذكروا أن القضاة لا يحق لهم أن يتعاملوا بالتجارة مخافة أن الناس يتغاضون معهم فيبيعونهم برخص أو يشترون منهم بغلاء فيكون ذلك سببا في ميلهم، مع هذا الذي تغاضى معهم وجورهم في الحكم الذي يحكمون فيه، وهكذا أيضا كل عامل في عمل رسمي إذا تعامل مع أحد أو قبل منه هدية خيف أنه يميل قلبه معه ويؤثره على غيره.
ولعل هذا هو السبب في أن هذه الحكومة -أيدها الله- منعت الأطباء أن يفتحوا عيادات مخافة أنهم لا ينصحون لمن يراجعهم في المستشفيات الحكومية حتى يأتي إليهم في عياداتهم الخاصة، كذلك أيضا المدرسين الرسميين لا يدرسون في المنازل مخافة أن يتغاضوا أو يتخاذلوا عن التدريس الرسمي حتى يأتيهم في البيوت من يدرسهم بأجرة؛ فذلك بلا شك حرصا على أداء الأمانة التي اؤتمن عليها هذا العامل، وحتى ينصح للأمة ويؤدي ما وجب عليه ولو عرفت أمانته، ولكن من باب التسوية بين الناس، ومن باب قطع الأسباب التي تؤدي إلى شيء من الخيانة أو التهمة في أداء حقوق الله تعالى أو حقوق ولاة الأمور.