القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
21071 مشاهدة
بيان الصفات الواجب توافرها في المحتسب

لا شك أن ذلك من آثار تحكيم شرع الله وإقامة حدوده والأمر بالخير والدعوة إلى الله وإنكار المنكرات وإظهار المعروف ونصره ونصر المظلوم والأخذ على يدي الظالمين، وإلزام كل مسلم بأن يسير على ما أمره الله تعالى به، فكان هذا هو الذي قاموا به في تلك المدة كبيرهم وصغيرهم.
نقول: إن هذا هو الواجب على الأمة أن يأمروا وينهوا حتى ينصرهم الله تعالى ويقويهم ويظهرهم على من ناوأهم، لا شك أن ذلك يستدعي كما قلنا أولا: الأمانة أن يكون مؤمنا أمينا.
وثانيا: المحبة أن يكون محبا لله تعالى ومحبا لمن يحب الله ومبغضا لمعاصي الله وللعصاة الخارجين عن طاعة الله.
وثالثا: النصيحة وهو أن يكون ناصحا لإخوانه المسلمين ومؤثرا إرشادهم وما ينفعهم ويبعدهم عما يضرهم.
ورابعا: الصدق وقد سمعنا أدلته؛ الحديث الذي سمعنا وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا عليكم به؛ يعني الزموه الزموا الصدق وتمسكوا به واتصفوا به، واعملوا به.
يكون الصدق مع الله تعالى؛ يعني أن يصدقوا فيما أمر الله به، وأن يصدقوا مع الله بما يعاهدون عليه إذا كانوا يعاهدون الله تعالى على أن يعبدوه، وعلى أن يخلصوا له وعلى أن يرجوه ويخافوه، وعلى أن يعتمدوا عليه وحده فلا بد من الصدق في ذلك.
كذلك أيضا يكون الصدق مع عباد الله تعالى؛ وذلك بأن يتعاملوا معهم معاملة الصادقين؛ معاملة الناصحين المخلصين؛ فيصدقون في أقوالهم ويصدقون في أفعالهم.
وحتى فيما سمعنا الحديث الذي في المعاملات في قوله -صلى الله عليه وسلم- البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما فهذا مثال في أن المتبايعين إذا صدق كل منهما وبَيَّن ما له وما عليه ونصح لأخيه؛ بارك الله تعالى لهما فيبارك للبائع في الثمن ويبارك للمشتري في السلعة، وإذا كتم البائع ما في السلعة مثلا من العيوب وكتم المشتري ما يعلمه في هذه السلعة أو ما يعلمه في هذه الحال؛ محقت بركة بيعهما.
إن هذا بيان أن الصدق من أسباب البركات وأسباب الخيرات، لا شك أن هذا يؤول بالآمرين -الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى الله تعالى ويرشدون إلى الخيرات عليهم أن يهتموا بأمر المسلمين.
نعرف أن هذا الأمر الذي هو الأمر والنهي من واجبات الإسلام، وأنه من فروض الكفاية؛ فرض على الأمة كلهم، وفروض الكفاية واجبة مخاطب بها أفراد الأمة؛ وذلك لأنهم إذا تركوه كلهم عمتهم العقوبة، في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ينزل العذاب على صالحهم وغيره عليهم جميعا؛ حتى على الصالحين.
وقد اشتهرت وقائع فيها ما يدل على ذلك فذكر ابن القيم في كتاب الجواب الكافي قصة أن الله تعالى أمر جبريل أن يخسف ببلدة كذا فقال: يا رب فيهم فلان لم يعصك طرفة عين قال الله: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه فيَّ قط.
لما أنه لم يغضب لغضب الله ولم يرض لرضاه استحق أن يعاقب مع هؤلاء بالخسف الذي عمهم.
وذكر أيضا القصة التي فيها: أن الله تعالى أمر جبريل أن يهلك من بني إسرائيل أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يجالسونهم ويؤاكلونهم ويشاربونهم؛ بمعنى أنهم يقرون المنكر على ما هو عليه ويعرفون بأن هذا منكر، ومع ذلك يقرون أهله ويجالسونهم ويؤانسونهم، فاستحقوا العقوبة جمعيا، وهذا يدل على أن الجميع مكلفون؛ الذين يرون المنكر وهم قادرون على إزالته ويسكتون ولا ينكرونه يكونون بذلك كلهم مستحقين للعذاب.
ولا شك أن الواجب في هذا الباب يختلف باختلاف طبقات الناس، معلوم أنهم يتفاوتون في القوة ويتفاوتون في المعرفة ويتفاوتون في القدرة ويتفاوتون في الإقناع، ولكن يعمهم جمعيا أنهم يستطيعون أن يتكلموا، وأن يقولوا: إن هذا منكر إذا رأوه أن يقولوا إن هذا منكر، وإن لم يستدلوا عليه بأدلة وإن لم يقولوا الدليل عليه كذا وكذا.
وبكل حال فإنا مأمورون بأن نغير بقدر ما نستطيعه، ونأمر وننهى بحسب الاستطاعة، فمن كان عنده علم فواجبه أكثر من غيره، ومن كان عنده قدرة ببدنه فواجبه أكثر أيضا من غيره، من كان له ولاية أية ولاية ولو صغيرة فواجبه أكثر، ومن كان ضعيفا اقتصر على ما يقدر عليه ولو أنكر بالقلب.
وللكلام تتمة نأتي عليه إن شاء الله في الدروس الآتية.
س: ذكر فضيلتكم شروطا هي الأمانة والمحبة والنصيحة والصدق، فيمن ينبغي أن تكون هذه الشروط؟
تكون في كل من تولى ولاية؛ يعني فمثلا خطيب المسجد وإمام المسجد وعضو الهيئة مثلا والمدرس والمعلم والقاضي والداعية ونحوهم لا بد من توفر هذه الشروط فيهم.
جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والله أعلم وصلى الله على محمد .