لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
شرح سنن الترمذي
34955 مشاهدة
باب ما جاء في العزل

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى:
كتاب النكاح.
باب ما جاء في العزل.
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر قال: قلنا: يا رسول الله، إنا كنا نعزل فزعمت اليهود أنها الموءودة الصغرى، فقال: كذبت اليهود، إن الله إذا أراد أن يخلقه فلم يمنعه .
قال: وفي الباب عن عمر والبراء وأبي هريرة وأبي سعيد .
حدثنا قتيبة وابن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: كنا نعزل والقرآن ينزل قال أبو عيسى حديث جابر حديث حسن صحيح، وقد روي عنه من غير وجه، وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم في العزل، وقال مالك بن أنس تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الأمة.
باب ما جاء في كراهية العزل.
حدثنا ابن أبي عمر وقتيبة قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن قزعة عن أبي سعيد قال: ذُكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لِمَ يفعلُ ذلك أحدكم؟ .
قال أبو عيسى زاد ابن أبي عمر في حديثه: ولم يقل لا يفعلْ ذاك أحدكم قالا في حديثهما: فإنها ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها قال: وفي الباب عن جابر .
قال أبو عيسى حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد وقد كره العزل قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم.


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على محمد .
العزل هو أن يريد الرجل ألا تحبل امرأته؛ فلا ينزل في داخل الرحم، بل إذا أحس بالإنزال نزع وأنزل خارج الفرج؛ حتى لا يكون هناك علوق بحمل، ويقصد من ذلك أن الحمل قد يضر امرأته، أو قد يكون أولاده يتتابعون تباعا، ويشق عليها تغذيتهم، أو أن المرأة هزيلة ضعيفة البنية لا تتحمل أن تلد أولادا متتابعين.
فمثل هذا قد رُخص فيه في بعض الأحيان، فعند الإمام أحمد أنه يجوز العزل عن الحرة إذا وافقت، وعن الأمة إذا كانت زوجته أمة ووافق سيدها على العزل؛ وذلك لأن المرأة لها حق في الولد كما أن الرجل له حق؛ ولأن سيد الأمة له حق في الولد؛ لأن الولد يكون مماليك له؛ فلا يترك حظه من الولد الذي هو ملكه إلا بإذنه.
وعلى كل حال العزل قد يشق على المرأة؛ وذلك لأن المرأة لها حظ في الشهوة، ولأنه قد يتأخر قضاء وطرها، فإذا نزع قبل أن تقضي وطرها وتفرغ؛ كان في ذلك مشقة، وكأنها لم يحصل لها الشهوة التي طلبتها من الزوج، أو قضاء الوطر، فكان لها حق في ذلك، فلأجل ذلك لا يعزل إلا بإذنها إذا كانت حرة، وكذلك أيضا بإذنها إذا كانت تريد الولد، إذا كان لها حظ في الولد، ولها حق في الولد؛ فليس له أن يعزل إلا بإذنها، فإذا اتفق الزوجان على العزل جاز ذلك على الصحيح.
فورد فيه ما ذُكر في الباب الأول: أن اليهود يقولون: تلك الموءودة الصغرى؛ يعني أنه شبيه بالموءودة التي.. هو قتل البنت حية في قوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ فكأنه يقول: إن الذي يعزل كأنه يقتل أولاده قبل أن ينعقدوا، وذلك مثل الموءودة، ولكنها أصغر منها، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم- كذبهم وقال: كذبت اليهود، لو أراد الله أن يخلقه لم يقدروا على رده يعني أن الإنسان قد يعزل، ولكن قد يسبقه المني، وهو لا يشعر فيقع من امرأته حمل، وإن لم يُرد أن تحمل.
روي أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي جارية، وأنا أحب المال، وإني أستمتع بها، ولا أريد أن تحبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لا تستطيع أن ترده يعني إذا أراد الله خلقه؛ فلن تستطيع أن ترد الحمل، فجاءه بعد أيام فقال: يا رسول الله إن الجارية التي ذكرت لك قد حملت، فقال: قد أخبرتك أو كما قال يعني أنه قد يعزل عنها، ومع ذلك تحبل؛ فإن الحمل ينعقد بأدنى قطرة من المني تنصب وهو لا يشعر بها؛ فلأجل ذلك قد يعزل، ومع ذلك لا يحصل السلامة من الحبل.
وأيضا أباح النبي -صلى الله عليه وسلم- العزل في الحديث في الباب الثاني أنه قال: ولِمَ يفعل أحدكم ذلك؟ لما قالوا: إننا نعزل، يقول الراوي: لم يقل: ولا يفعل، بل قال: ولِمَ يفعل ذلك؟ فكأنه يقول: إن أحدكم يفعل ذلك، ولكن لماذا؟ لماذا؟ أو لأي غرض يفعله؟ ما من نفس منفوسة إلا الله خالقها، الله تعالى قدر من سوف يخلق، قدر هذا اللقاء سواء حصل فيه ولد أو لم يحصل، وعلم أنه سيخلق منه أو لا يخلق منه؛ فلا حرج عليكم أو لا فائدة لكم في العزل ما دام تعلمون أن الله تعالى علم من سوف يخلق.
لمَ يفعل أحدكم ذلك؟ ولم يقل لا يفعل ذلك.
وكذلك حديث جابر وقوله: كنا نعزل والقرآن ينزل لو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن، يعني كانوا يعزلون عن سراريهم؛ لأن السرية إذا حملت امتنع البيع؛ وهم يحبون المال ..، أو قد يرغب أحدهم في بيعها بعد حين، ويحب أن يستمتع بها إذا لم يكن عنده زوجة، أو له زوجة ولكنها لا تعفه؛ فلأجل ذلك يعزل عنها حتى لا تحبل، وإذا أراد بيعها استبرأها وباعها.
فقالوا: كنا نعزل أي عن إمائنا، وربما عن زوجاتهم نعزل والقرآن ينزل أي في حالة نزول القرآن قبل انقطاع الوحي، وإن لم نخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن لم نسأله، يعني أكثرهم، وقد يكون بعضهم سألوه فأجابهم كما في الحديث الأول ثم قال: كذبت اليهود يعني ليس هو الوأد الخفي، أو ليس هو الموءودة الصغرى. هذا حديث في جوازه هو قوله: كنا نعزل والقرآن ينزل .
وأما ما ورد في منعه، فورد حديث عن بعض الصحابيات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن العزل فقال: ذلك الوأد الخفي سماه وأدًا، لكنه وأد خفي، وظاهر هذا يوهم أنه غير مباح، ولكن الأحاديث التي في إباحته أكثر، كما في الباب أولًا الحديث الذي رخص له فيه وكذَّب اليهود، وثانيا قوله: ولِمَ يفعل أحدكم ذلك؟ وثالثا حديث جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل فإنها دالة على جوازه.
وقد عرفنا أن القصد منه ألا تحبل المرأة، ذلك؛ لأن بعض النساء تلد كل عام ولدا فيشق عليها تكرار الحمل والوضع والتنشئة والفصال والرضاعة ونحو ذلك؛ فتعتذر بذلك، ويكون هذا العذر الذي يسوغ لها طلب عدم الإنجاب.
والبعض من الآباء يحاولون إيقاف الإنجاب، ويتعللون بضيق المعيشة، في نظرهم أنهم لا يستطيعون أن يقوموا بالأولاد ويكفوهم؛ فيضيقون ذرعا بكثرة الأولاد، ولكن هذا لا يبيح الفعل، لا يبيح العزل ونحوه؛ وذلك لأن الله تعالى هو المتكفل بالأرزاق، قال تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وفي الآية الأخرى نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ يعني فقر نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ فالذي يرزقكم متكفل برزقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا فلا يجوز أن يكون العزل لأجل الضيق في المعيشة، فالذي خلقهم تكفل بأرزاقهم.
لكن إذا كان العزل ونحوه بسبب مرض أو بسبب عيب وشلل في المرأة ونحوها أو ما أشبه ذلك، أو بسبب كثرة الأولاد وتتابعهم، وتضيق بذلك ذرعا؛ فيمكن أن يرخص فيه، وهناك حالات منها إذا كانت المرأة بضة الخلقة، وضعيفة البنية، لا تتحمل كثرة الأولاد وتربيتهم؛ فيكون لها عذر في إيقاف الحمل، إما دائما وإما مؤقتا.
والعذر الثاني: إذا كان الأولاد يخرجون ضعافا هزالا لكثرتهم أو لتتابعهم ولعدم تفرغ أمهم لإرضاعهم أو نحو ذلك فيخرجون ضعاف الأبدان، نحافا يتألمون، ويتألم آباؤهم لكثرة علاجهم، ولأمراضهم التي تعتريهم، أو يخرجون مشوهي الخلقة، يعني إما بهم شلل أو عيب، أو نقص في الفهم أو صمم أو نحو ذلك، فمثل هذا أيضا يكون عذرا في العزل ونحوه.
وكذلك لو تزوج رجل امرأة في بلاد الكفار وهو مسلم، وعرف أن أولاده لا يتمكن أن يخرج بهم من بلاد الكفار، وأن أولاده إذا خرج وتركهم أصبحوا كفارا وصاروا مع الكفار؛ فله والحالة هذه أن يحاول عدم الإنجاب، وما أشبه ذلك.
في هذه الأزمنة يفعلون أفعالا تكون سببا لإيقاف الحمل غير العزل؛ فمنها الحبوب التي يكثر استعمالها، وكثير من الشباب ونحوهم وكذلك النساء يشترونها بكميات، الشاب كأنه يقول: أنا الآن في مستقبل حياتي، وكثرة الأولاد قد يعوقونني، وأنا لم أتأهب ولم أكون نفسي على حد تعبيره؛ فيلزم امرأته بأن تأكل الحبوب حتى لا تنجب، ولكن هذه الحبوب تسبب أمراضا، وقد تسبب عقما للمرأة، وقد تسبب تأخر حمل بعد أن تأكلها مدة، تبقى مثلا خمس سنين أو ست سنين لا تحمل؛ فيكون لها أضرار، زيادة على الأضرار البدنية، ينهى عنها كثير من الأطباء لعاقبتها السيئة.
فعلى هذا لا يجوز استعمالها إلا في حالات خاصة، وعند أو بعد استشارة الطبيب، والتأكد من عدم ضررها.
وهناك أيضا بعض النساء تستعمل ما يسمى باللولب الذي تركبه في الرحم حتى يكون ذلك عازلا للمني أن يعلق بجدار الرحم أو يتكون منه الولد، وفيه مفسدة زيادة على كون الذي يركبه -المرأة أو الرجل أو الطبيبة ونحو ذلك- تلامس الفرج وتلامس الرحم وتدخل يدها وتدخل آلة أو نحو ذلك؛ فيكون في ذلك مفسدة، ولكن فيه أيضا مفسدة أخرى وهو إفساد العادة، الدورة الشهرية؛ فإن كثيرا من النساء إذا كانت عادتها خمسة أيام، ثم ركبت هذا اللولب؛ سبب لها اختلافا في العادة وزيادة في أيامها بحيث تصبح ثمانية أيام بدل الخمسة أو تسعة أيام أو نحو ذلك، يعني تزيد مثلها أو قرب مثلها؛ فيكون فيها مفسدة، يقل خروج الدم، وتطول مدته.
وتتحير المرأة؛ لا تدري ماذا تصلي؟ وكم تصلي؟ ونحن نقول لها: إنها تصلي أيام عادتها المعتادة، ثم أيام عادتها إذا كانت عادتها مثلا خمسة أو ستة أيام؛ تترك الصلاة تجلس أيام عادتها، ثم بعد ذلك تتطهر وتصلي إلا أن تكون عادتها زادت واستمرت.
كذلك ذكر بعض الأطباء أو بعض الإخوة أن المرأة بعد الطهر -بعد أول الطهر- ما تعلق من الجماع، لو مثلا أنه جامعها في اليومين أو الثلاثة الأيام التي بعد الطهر لم تحبل، هكذا ذكر بعض الأطباء، وهكذا أيضا إذا كان الجماع بعد الطهر بعشرين يوما فإن هذا أيضا يسبب عدم العلوق.
يعني الذي يريد ألا تحبل يكون وطئه لها في اليومين الأولين أو الثلاثة التي بعد الطهر، ثم في آخر الطهر في العشر الأخيرة أو الأسبوع الأخير من الطهر، ويتجنب وطأها فيما بين ذلك، ويكون ذلك سببا في عدم العلوق، وبكل حال لهم حيل يفعلونها في التوقف عن الحمل منها ما هو نافع ومنها ما ليس بنافع.
والأولى للإنسان أن يتجنب مثل هذه الأشياء ويعتمد على ما كان معتادا، والمعتاد من النساء قديما إرضاع الأولاد، أن المرأة إذا ولدت ولدا اشتغلت برضاعه، وإذا اشتغلت برضاعه من صدرها توقف الحمل عنها مدة الرضاعة؛ وذلك لأن اللبن الذي يتغذى به هو دم الطمث الذي كان يتغذى به الجنين، هذا الحيض الذي تحيضه المرأة إذا ولدت وطهرت من النفاس لم تحض إذا كانت ترضع، بل ينقلب ذلك الدم لبنا، ويخرج من الثديين، فيتوقف حملها ما دامت ترضع غالبا، أو نصف المدة -مدة الرضاع- أو ما أشبه ذلك، يعني بعض النساء لا كلهن، يعني الغالب على النساء.
ولكن في هذه الأزمنة كثير من النساء لا يشتغلن بالإرضاع، بل من حين يولد المولود ترضعه اللبن الصناعي، وتتعلل بأنه ليس فيها لبن، أو أن الطفل لا يقبل ثديها، أو نحو ذلك وهذا ليس بصحيح؛ فإنها إذا حنَّت على ولدها درت عليه ووجد فيها اللبن كحال النساء القديمات، أمهاتها وجداتها وجدات أمهاتها لا يعرفن هذه الألبان الصناعية، إنما يرضعن أولادهن من ثديهن حتى التوأمين.
كنت أعرف قديما عددا من النساء تلد توأمين وترضعهما من لبنها، ولا تعرف اللبن الصناعي، ولا لبن البهائم، ولا غير ذلك، ويعيش الولد ويتغذى، وقد ذكر الأطباء أن لبن الأم أصح من الألبان الصناعية التي هي ألبان البقر ونحوها؛ لأن الله تعالى حكيم، عندما خلق هذا اللبن الذي في الأم، جعله مناسبا للطفل، ينشأ عليه ويتغذى به ويغذي حواسه، ويغذي بدنه تغذية تامة، ليس هو مثل هذه الألبان التي خلقت لغير الإنسان، لبن البقر أو لبن الماعز أو نحو ذلك، وإن كان يحصل بها تغذية.
وعلى كل حال المعتاد أن المرأة يكون فيها لبن بعد الولادة؛ ترضع ولدها لقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا يعني تستأجروا لأولادكم ظئرا ترضعه؛ فيدل على أن الأم عادة يكون فيها لبن، وترضع ولدها، وبإذن الله إنها إذا كانت ترضع ولدها ينقلب الحيض لبنا، وإذا لم يكن هناك حيض لم يكن هناك حمل، وذلك لأن العادة أن الحمل إنما يتغذى بدم الطمث الذي هو دم الحيض، وإذا لم يكن هناك دم حيض لم تعلق حتى يرجع الحيض، فعند ذلك يكون العلوق الذي يكون معه ما يتغذى به الجنين.
فهذه من الأسباب التي يتأخر بها الحمل، وهو إرضاع المولود إرضاعا كاملا، تقصره على لبنها؛ حتى يشب ويحتاج إلى الزيادة ويكون لبنها لا يكفيه؛ فتضيف مع لبنها شيئا يتم به الغذاء إما لبنا وإما طعاما أو نحو ذلك، وبهذا تحصل مصلحة تغذية الجنين غذاء نافعا -تغذية الطفل- وكذلك التوقف عن الحمل مدة الرضاعة.