إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
شرح سنن الترمذي
36515 مشاهدة
باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها

باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها.
حدثنا ابن أبي عمر وإسحاق بن منصور قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هُدبة الثوب. قال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قال: وفي الباب عن ابن عمر وأنس والرميصاء أو الغميصاء وأبي هريرة .
قال: أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم: أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره فطلقها قبل أن يدخل بها أنها لا تحل للزوج الأول إذا لم يكن جَامَع الزوج الآخر.
باب ما جاء في المُحِلِّ والمُحَلَّل له.
حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الأيامي حدثنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله وعن الحارث عن علي قالا: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له قال: وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وعقبة بن عامر وابن عباس .
قال أبو عيسى حديث علي وجابر حديث معلول، وهكذا روى أشعث بن عبد الرحمن عن مجالد عن عامر هو الشعبي عن الحارث عن علي وعامر عن جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا حديث ليس إسناده بالقائم؛ لأن مجالد بن سعيد قد ضعفه بعض أهل العلم منهم أحمد بن حنبل وروى عبد الله بن نمير هذا الحديث عن مجالد عن عامر عن جابر بن عبد الله عن علي وهذا قد وهم فيه ابن نمير والحديث الأول أصح، وقد رواه مغيرة وابن أبي خالد وغير واحد عن الشعبي عن الحارث عن علي .
حدثنا محمود بن غَيْلان حدثنا أبو أحمد الزهري حدثنا سفيان عن أبي قيس عن عزير بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، وأبو قيس الأودي اسمه عبد الرحمن بن ثروان وقد روي هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمرو وغيرهم، وهو قول الفقهاء من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق .
قال: وسمعت الجارود بن معاذ يذكر عن وكيع أنه قال بهذا، وقال: ينبغي أن يُرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي.
قال جارود قال وكيع وقال سفيان إذا تزوج الرجل المرأة ليحللها ثم بدا له أن يمسكها فلا يحل له أن يمسكها حتى يتزوجها بنكاح جديد.


أما إذا طلقها ثلاثًا فقد نص القرآن على أنها لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ذكر الله الطلقتين الرجعيتين في قوله: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ يعني الطلاق مرتين، له بعد كل واحدة أن يمسك أو أن يسرح بإحسان، ثم قال بعد ذلك: فَإِن طَلَّقَهَا يعني الثالثة فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ .
ذكر العلماء أن جميع النكاح في القرآن يراد به العقد إلا في هذه الآية المراد به الدخول والوطء، أي حتى تتزوج زوجًا آخر ويدخل بها ويطأها ويطلقها بعد ذلك أو يُتوفى عنها فتحل لزوجها الأول، هذا هو القول الصحيح أنها لا تحل له إلا بعد ما يدخل بها ويطأها.
وفيه من الأدلة قصة امرأة رفاعة وكان رفاعة قد طلقها وبتَّ طلاقها يعني طلقها ثلاثًا إما متفرقة أو مجموعة، ولما طلقها حرمت عليه، وكأنه ندم أو هي ندمت فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزَّبير وذكرت أنه ما مسها، وأنه ليس معه يعني آلته إنما هي مثل الهدبة، هدبة الثوب، يعني تعيبه بذلك، وهذا يفيد أو يفهم منه أنه ما وطئها؛ لأنها قصدت بذلك عدم تمكنه من أن يطأها، فلما أخبرت بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يمكنها من الرجوع حتى يطأها الثاني ويذوق من عسيلتها ما ذاق الأول.
والمراد بالعسيلة الوطء، يعني حتى يطأها وطئا تاما وهو الذي يوجب الغسل، فإذا لم يطأها لم تحل للأول، إذا طلقها أو مات عنها قبل أن يطأها وطئا يوجب اغتسالها منه.
ثم ذكروا أنه لا بد أن يكون ذلك النكاح نكاح رغبة، لا نكاح تحليل، والتحليل هو أن يقصد من نكاحها تحليلها لزوجها الأول، ولا شك أن هذا لا يجوز، بل عليه أن يتزوجها على أنها امرأة له، زوجة له، يريد نكاحًا مستمرا، يعزم على أنها زوجة له تبقى في ذمته إلى أن يفرق بينهما الموت، هذا هو القول الصحيح، أما إذا كان يقصد أن يدخل بها ليلة واحدة ثم بعد ذلك يطلقها؛ حتى تحل لزوجها الأول فلا يجوز.
المحلل ويسمى في بعض الأحاديث التيس المستعار والتيس هو ذكر المعز، يعني كأنه استعاره زوجُها عَرِيَّة ليحلها له فيدخل بها فيفارقها بعد ذلك، كأن زوجها اشترط عليه أنه متى وطئها فارقها ولا تبقى معه، فهذا هو الذي ورد وعيده ولعنه، لَعْن الاثنين إذا كانا متفقين، وكذلك إذا كانا متفرقين، إذا كان الزوج استأجر هذا وقال: أريد أن تتزوجها حتى إذا وطئتها فخل سبيلها. فاللعن هنا إذا وافق يكون للاثنين المحلل الذي تزوجها لهذا السبب، والمحلل له الذي طلب التحليل.
كذلك أيضًا إذا كان الزوج الثاني هذا قصده ولم يأمر به الزوج الأول ولم يرض بذلك، بل الزوج الثاني هو الذي أراد أن يحلها للأول، فتزوجها ودخل بها وطلقها في اليوم الثاني، وأفهم زوجها أنها قد حلت له، فهذا أيضًا لا يجوز، ولكن الوعيد يكون للمحلل، لا للمحلل له؛ لأنه ما رضي بذلك ولا طلبه منه.
والحاصل أن التحليل ذنب كبير، ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا ينعقد به النكاح، وأنه لو تزوجها على أن يحلها، ثم بدا له أن يرغب فيها ويقيم معها لم تحل له؛ وذلك لأن نكاحه نكاح تحليل، فلا بد أن يجدد العقد معها، وكما سمعنا ذلك في كلام الترمذي وبكل حال التحليل ذنب عظيم ورد فيه هذا الوعيد الشديد، واللعن الذي هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله وكل ذلك .