اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح سنن الترمذي
36623 مشاهدة
باب ما جاء لا نكاح إلا بولي


باب ما جاء لا نكاح إلا بولي .
حدثنا علي بن حجر أخبرنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق وحدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق .
ح وحدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا زيد بن حباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي . قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة وعمران بن حصين وأنس .
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل. فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن، وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن أيوب وسفيان الثوري وغير واحد من الحفاظ عن ابن جريج نحو هذا .
قال أبو عيسى وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
وروى أسباط بن محمد وزيد بن حباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وروى أبو عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، ولم يذكر فيه عن أبي إسحاق .
وقد روى عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا، وروى شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي .
وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى ولا يصح، ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي عندي أصح؛ لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة، وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث؛ فإن رواية هؤلاء عندي أشبه؛ لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد.
ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال أنبأنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي ؟
فقال: نعم؛ فدل هذا الحديث على أن سماع شعبة والثوري عن مكحول هذا الحديث في وقت واحد، وإسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق سمعت محمد بن المثنى يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني إلا لما اتكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي فيه أتم. وحديث عائشة في هذا الباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي حديث عندي حسن.
رواه ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ورواه الحجاج بن أرطاة وجعفر بن ربيعة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وروي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله وقد تكلم بعض أصحاب الحديث في حديث الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن جريج ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره. وضعفوا هذا الحديث من أجل هذا.
وذكر عن يحيى بن معين أنه قال: لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم قال يحيى بن معين وسماع إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج ليس بذاك؛ إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ما سمع من ابن جريج .
وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج والعمل في هذا الباب على حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نكاح إلا بولي عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وغيرهم.
وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا: لا نكاح إلا بولي منهم سعيد بن المسيب والحسن البصري وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق .


طال الكلام على هذا الحديث، ولعله قد كثر الكلام في زمانه لهذه المسألة؛ وذلك لأن الحنفية كثروا في ذلك الزمان وقويت كلمتهم، وصاروا يتعصبون لمذهبهم ويتشددون.
الحنفية هم الذين يقولون: إن المرأة تزوج نفسها، وأنها لا حاجة إلى أن تلتزم بتزويج أبيها أو وليها. ولهم مع الجمهور مناقشات ومخالفات ومجادلات.
مع كثرة ما يستدل به أهل السنة أو الجمهور من علماء الأمة يستدلون بهذه الأدلة، فمنها حديث: لا نكاح إلا بولي قالوا: إنه وقع فيه هذا الاختلاف فيسقط الاستدلال به.
سمعنا كثرة الاختلاف الذي ذكره الترمذي فيه، ولكن إذا نظرنا وإذ الاختلاف إنما هو في الإسناد. بعضهم يزيد راويا وبعضهم يسقط راويا، وهذا يقع من الرواة؛ وذلك لأنهم يعتمدون فيه على الحفظ، والحفظ قد يتغير؛ فلا يضره من أسقط منهم راويا أو زاد راويا أو نحو ذلك ما دامت الطرق كلها ترجع إلى أبي موسى رضي الله عنه، وأنه أنها قد ثبتت عنه ثبوتا قطعيا؛ ثبت عنه هذا النص وهو قوله: لا نكاح إلا بولي .
كذلك معلوم أيضا أنه قد تابعه غيره، ذكره الترمذي عن خمسة؛ يعني تابعوه بحديث: لا نكاح إلا بولي وقد ذكره العلماء من عدة طرق، فذكروه عن شداد وعن ثوبان وعن أبي هريرة ونحوهم؛ فتكاثر هذه الأحاديث دليل على الصحة وعلى الشهرة وعلى الاستفاضة، وأنه شيء مشهور لا مجال لإنكاره أو رده.
ولا يؤثر في أحاديثهم ما فيها من الاختلاف، أو ما فيها من ضعف بعض الرواة؛ فإن كثرتها تتقوى بها أفرادها.
فعلى كل حال لهم مناقشات، وكلام طويل على هذه الأحاديث وطعن فيها. والصحيح أنها معتبرة وثابتة لا مطعن فيها.