جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
حقيقة الالتزام
18936 مشاهدة
المقدمة

  إن الحمد لله نحمده ونشكره ونثني عليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وهو ربنا عليه توكلنا وإليه ننيب، ونحمده سبحانه أن هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله.
أما بعد :
فإننا نشاهد اليوم هذا الإقبال الكبير من شبابنا على دين الله وعلى طاعته، وتطبيق شرعه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعلينا أن نتفاءل بهذا الإقبال، فهناك الإقبال على طلب العلم، والإقبال على تطبيق السنة النبوية والإقبال على تطبيق الشريعة في كل شؤون الحياة.
ولا شك أن هذا الإقبال يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه علي بن يزيد عن القاسم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   إن لهذا الدين إقبالًا وإدبارًا، وإن من إقباله أن تفقه القبيلة بأسرها، فلا يبقى فيها إلا الفاسق والفاسقان، فهما ذليلان فيها، إن تكلما قهرا واضطهدا، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها، فلا يبقى فيها إلا الفقيه والفقيهان فهما ذليلان ، إن تكلما قهرا واضطهدا .
وعلي بن يزيد ضعيف ولعل الحديث موقوف.
 لقد كنا قبل ثلاثين أو أربعين سنة نكاد أن نيأس ونقطع الرجاء لما نراه من الأسباب التي تبعد عن الإسلام وعن الدين، ولما نراه من الجفوة والإدبار والسخرية والاستهزاء حتى في المتعلمين والمتفقهين ، ولكن والحمد لله اليوم نرى إقبال الشباب على التمسك وعلى الالتزام بالشرع وعلى الاستقامة عليه.
 لقد حصل من هذا الالتزام وهذه الاستقامة أثر بليغ؛ ألا وهو هذه الصحوة الإسلامية التي انتشرت في جميع أرجاء المعمورة، فما هذه الصحوة إلا نتيجة من نتائج الإقبال على هذا الدين وتطبيق الشرع والتمسك به والاستقامة عليه.
وفي هذه الرسالة الصغيرة نتحدث عن الالتزام وحقيقته وأدلته من الكتاب والسنة ، ثم الحديث عن أحوال الملتزم وصفاته.
 نسأل الله أن يمنَّ علينا بطاعته، وأن يقبل بقلوبنا على محبته وطاعته وعبادته ، ونسأله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وأن يجعلنا من المتمسكين بشريعته، والذابين عن دينه والمجاهدين في سبيله ، والمبلغين لأمره وشرعه، ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، والداعين إلى الله على بصيرة ، وأن يرزقنا الاتباع لسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإلى المقصود والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.