شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
51288 مشاهدة
اعتناء هرقل بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم

...............................................................................


يقول: ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله إلى هرقل فلما وصل إليه اهْتَمَّ به، قرأ هذا الكتاب بواسطة المترجم، وإذا فيه:
مِنْ محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم -يعني: أنه كان كبيرهم- سلام على من اتبع الهدى، لم يُسَلِّمْ عليه؛ لأنه في ذلك الوقت مشركٌ ونصراني، إنما أتى بالآية في سورة طه: وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى إن كنت ممن اتبع الهدى فإننا نُشْرِكُكَ في السلام، وإلا فالسلام على مَنِ اتَّبَع الهدى.
أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، يعني: أدعوك بالدعوة التي هي الإسلام الذي هو الإذعان، والذي هو الانقياد لله تعالى، فإن الإسلام مُشْتَقٌّ من الإذعان ، يقال: أسلم البعير، يعني: انقاد..استسلم، ويقال: أسلم العاصي، يعني استسلم وانقاد لمن كان يطالبه أو يطلبه، وسُمِّيَ المسلمون بهذا الاسم؛ لأنهم انقادوا لأمر الله، فهو يقول: اسْلَمْ تَسْلَمْ.. اسلم: يعني ادخل في هذا الإسلام.. تَسْلَمْ: أي: تَسْلَمُ من الْخَسَار، وتسلم من النار، وتسلم من فَقْدِ ملكك، وفَقْدِ ما أنت فيه، وفَقْدِ رئاستك، لو أسلم لَبَقِيَتْ له رئاسته، ولبقي له شَرَفُهُ، أَسْلِمْ يُؤْتِكَ الله أجرك مرتين.
ورد ذلك في حديث أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يُؤْتَوْنَ أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بي يعني: آمن بكتابهم، يعني: ما فيه من التفاصيل كالأناجيل، وآمن بي، فله أجران: أجر إيمانه بكتابه، وما فيه، وأجر إيمانه بي، وإن كانت كتبهم قد نُسِخَتْ بهذا الكتاب الْمُنَزَّلِ على نبينا صلى الله عليه وسلم. ومملوك أدى حق الله تعالى، وحق مواليه فله أجران، ورجل كان له جارية فَأَدَّبَهَا، ثم اعتقها وتزوجها، فله أجران فالحاصل: أنه لما قال: يؤتك الله أجرك مرتين، يعني: على إيمانك بكتابك ومعرفتك به، وإيمانك بي... فإن توليت فإن عليك إثم الإريسيين.. إذا أبيت من الإسلام فإن عليك إثمهم.. الأريسيون هم: الْحُرَّاث، والعوامُّ الذين في بلاده، وكانت تلك البلاد مشهورة بالمزارعين الذين يزرعون الحبوب، وهم عَوَامُّ وجهلة، وهم يتبعونه لكونه رئيسًا، ولكونه مُطَاعًا فيهم، وقد يدخل فيه أيضًا جميع مَنْ كان على دينه؛ النصرانية، يعني: عليك إثم هؤلاء النصارى الذين كنت أنت رئيسًا فيهم، ومطاعًا فيهم إذا توليت.