إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
51374 مشاهدة
النية محلها القلب

...............................................................................


ثم معلوم أن النية محلها القلب؛ يعني الإنسان هو الذي يعلم ما في قلبه، ولا يجوز له أن يتلفظ بالنية، وإنما يكون قلبه عازمًا على فعل الشيء لله تعالى، وأما التلفظ بها فإنه بدعة لم ينقل عن السلف رحمهم الله.
يذكر عن الشافعي ما تشبث به بعض أتباعه أنه يستحب التلفظ بها، وهو ليس بصحيح؛ لأنه سئل مرة: بأي شيء تفتتح الصلاة؟ فقال: بفريضتين وسنة. الفريضتان: النية والتحريمة، والسنة رفع اليدين، فلما اشتهرت عنه هذه الكلمة ظن بعض الشافعية أنه يريد التلفظ؛ يعني كما أن التحريمة يتلفظ بها فكذا النية، فصاروا يكتبون في مؤلفاتهم صغيرها وكبيرها التلفظ بالنية سنة.
ولا دليل على ذلك على شرعية التلفظ بالنية، فالله تعالى أخبر وأعلم بما في القلوب، فلا حاجة إلى أن يتلفظ بها، يمكن تسمعون كثيرًا منهم إذا أراد أن يكبر للصلاة يقول مثلًا: نويت أن أصلي لله تعالى ولوجهه صلاة العصر أداء لا قضاء، أربع ركعات مستقبل القبلة، إمامًا أو مأمومًا، متطهرًا ونحو هذه الكلمات.
الله تعالى أعلم بما في قلبك أتخبر الله بما في قلبك؟! فهذا لا دليل عليه، وكذلك أيضًا إذا أراد أن يتوضأ يتلفظ فيقول: نويت أن أرفع الحدث الأصغر أو الحدث الأكبر، وأغسل أعضائي لأداء صلاة كذا، أو ما أشبه ذلك، فيكون بذلك قد تلفظ بما في قلبه، وأخبر الله والله أعلم بما في قلبه.
ثم إن الشافعية قالوا: لو أخطأ فإن العمل على ما في القلب. لو مثلًا قال: نويت أن أصلي الظهر وهو يريد العصر أداء لا قضاء، أخطأ في كلمة الظهر فإن العبرة بما في قلبه لا بما أخطأ به لسانه، فهذا دليل على أن الأعمال إنما تعتبر بالنية التي في القلوب لا التي يتكلم بها، فلا حاجة إلى التلفظ بهذه النية، الله تعالى هو الذي يعلم الضمائر؛ فالإنسان عليه أن يصلح نيته ولا يضره تكلم أو لم يتكلم.