الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
34450 مشاهدة
معاملة غير المسلمين في بلاد الإسلام

يجوز إقرارهم بالجزية في بلاد الإسلام، ويجوز أيضا عقد العقود المعاهدة معهم، وإذا عقدنا معهم معاهدة لسبب من الأسباب فإن ذلك لا يدل على الموالاة، بل نحن نبغضهم ولو كنا محتاجين إلى معاقدة معهم أو نحو ذلك؛ وقد دل على ذلك ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم من عقد المعاهدة في الحديبية مع المشركين على وضع الحرب عشر سنين مع الكفار فهذا العقد جائز.
وكذلك دل على إقرارهم بالجزية قول الله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ يعني: اليهود والنصارى ونحوهم أنه يجوز إقرارهم وإذا أقررناهم على الجزية فإننا نسعى في تحقيرهم وفي إذلالهم وإهانتهم، ولهذا قال الفقهاء في عقد الذمة قالوا: ولا يجوز تصديرهم في المجالس. أي: لا يجوز أن نجلسهم في صدر المجلس بل يكونون في طرف المجلس إذا احتيج إلى إدخالهم في المجالس ونحوها، ولا يجوز القيام لهم احتراما.
ولا يجوز بداءتهم بالسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم–: لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه أي: ليشعروا بأنهم أذلة، وكذلك لا يجوز أن يرفعوا بنيانهم على بنيان المسلمين إذا بنوا بيوتا في البلاد الإسلامية فلا تصير بيوتهم أرفع من بيوت المسلمين؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى كما ورد ذلك في حديث.
وإذا ضربت عليهم الجزية فإنهم يمتهنون عند أخذها، ويطال وقوفهم وتجر أيديهم لقوله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فلا يقبل أن يرسل بها خادمه أو ولده، بل لابد أن يأتي بها ويدفعها بيده ويطال وقوفه عند دفعها وتجر أيديهم حتى يكون ذلك علامة على الصغار عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وقد عمل بذلك المسلمون في صدر الإسلام، وكان ذلك سببا في أن كثيرا من أهل الكتابين ومن المجوس دخلوا في الإسلام؛ لما رأوا أن الإسلام يعز من دخله من أسلم منهم، واختار دين الإسلام، وترك ديانته أكرمناه وقربناه ورفعنا مكانته، وفضلناه على غيره من الكفار واحترمناه.
فإننا نحترم كل مسلم ونرفع مكانته، ولو لم يكن قريبا لنا، ولو لم يكن من أسرتنا أو من أهل بلدنا؛ لأنا يجمعنا معه الدين الإسلامي فأما من خالفنا في الدين الإسلامي فإنه أهل أن يحقر وأن يستهان به، وأن يقلل من شأنه فهذا هو معاملة المسلمين مع أعداء الدين .
ولا شك أن عداوتهم عداوة قلبية لقوله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ هذا في شأن المنافقين، فكذلك الأعداء غيرهم، وقد ورد في الأحاديث النهي عن مساكنة المشركين أيا كانت ديانتهم ورد بلفظ: من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله يعني: إذا استقر معهم فيما بينهم وأظهر المودة لهم وأظهر خدمتهم وأقرهم على دياناتهم وضاحكهم ومازحهم وظهر منه ما يدل على تقريبهم وعلى تفضيلهم على المسلمين حكم بأنه مثلهم إما في الدنيا وإما في الآخرة، ولا شك أن هذا خطر كبير.