اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
34464 مشاهدة
باب: الأمر باتباع الجنائز

قال رحمه الله: باب: الأمر باتباع الجنائز.
حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن الأشعث قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء رضي الله عنه قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا: باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس، ونهانا عن: آنية الفضة، وخاتم الذهب، والحرير، والديباج، والقسي، والإستبرق .
حدثنا محمد حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي قال: أخبرني ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس .
تابعه عبد الرزاق قال أخبرنا: معمر ورواه سلامة عن عقيل .


بدأ من أحكام الجنائز بالاتباع باتباع الجنائز، والمراد: تشييعها إلى الدفن، وذلك من حقوق المسلمين بعضهم على بعض؛ فإن المسلم في حياته يحب إخوته المسلمين، ويحرص على مواساتهم، ويحرص على ما ينفعهم، وبعد موتهم لهم أيضا حق عليه: الدعاء لهم، والترحم عليهم، والصلاة على أمواتهم، وتشييعهم، والوقوف على قبورهم، والدعاء لهم بالتثبيت، وما أشبه ذلك، هذا مما جاءت به الشريعة.
ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: من صلى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراط أي: قيراط ثان، فسئل عن القيراطين، فقال: مثل الجبلين العظيمين من الأجر أي: أجر كبير على هذا التشييع، وهذا الاتباع.
وفي هذه الأحاديث أنه جعله من حقوق المسلم على المسلم، في هذا الحديث الأول أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بسبع، ونهاهم عن سبع، يقول: أمرنا باتباع الجنائز بدأ باتباع الجنائز، وبقية السبع، وكذلك المنهي عنها معروفة، ولكن أهمها الذي بدأ به اتباع الجنائز، اتباعها قيل: إنه من الموضع الذي مات فيه إذا حمل على النعش فإن الناس يتبعونه إلى المكان الذي يدفن فيه إلى أن يدفن، وكانوا قديما يحملون النعش على الأكتاف من بيته إلى المقبرة، يعني: إلى أن يدفن وهم يحملونه، لكن في هذه الأزمنة صاروا يتثاقلون لبعد المقابر، فصاروا يحملونه على السيارات إلى أن يوصلوه إلى مدفنه، ونقول: إن ذلك أيضا من التشييع ومن الاتباع إذا تبعوه بسيارات.
قد ذكر العلماء: أنه يجوز أن يركب الذي يشيع الجنائز، لكنهم قالوا: يسن أن يكون الراكب خلف الجنازة، والماشي قدامها ، ولم يذكروا دليلا على ذلك، ولكن الأصل: أنهم يتبعونها حيث ما كانت يتبعون الجنازة، سواء كانوا عن جانبيها، أو قدامها، أو وراءها، ولا يتيسر في هذه الأزمنة أن يكونوا كلهم وراءها، يعني: لشدة الزحام أحيانا، فلا مانع أن يكون بعضهم يركب سيارته ويكون قدامها، وبعضهم مع طريق آخر، وبعضهم وراءها.
وهذا الاتباع يعتبر حقا للميت، ولو كان غير معروف. بل هو حق من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وفيه الترحم عليه فإنهم إذا تبعوه يتذكرون أعماله، فيترحمون عليه، ويدعون له، وفيه أيضا الاعتراف بصداقته وبصدقه، وذكر محاسنه، وما أشبه ذلك.
وفيه الاعتبار، الاعتبار بحالته أنه كان حيا قبل قليل، ثم بعد ذلك أصبح ميتا؛ فيكون ذلك عظة، وذكرا لغيره أن يستعد لما نزل به، فإن الذي نزل بهذا الميت ينزل بأتباعه واحدا بعد واحد: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ .
وفيه أيضا: حق لأولاده، ولأقاربه إذا رأوا هذا الأخ، أو هذا الصديق يتبع جنازة ميتهم، ويسليهم، ويعزيهم كان في ذلك فائدة، وهي معرفتهم بصدقه، وبصداقته، ومحبته، ومودته فتثبت المحبة في قلوب الجميع، فتعتبر، يعتبر اتباع الجنازة من حقوق المسلمين بعضهم على بعض.
في حديث أبي هريرة المشهور قال صلى الله عليه وسلم: للمسلم على المسلم ست: تسلم عليه إذا لقيته، وتشمته إذا عطس، وتجيبه إذا دعاك، وتعوده إذا مرض، وتتبع جنازته إذا مات، وتحب له ما تحب لنفسك فذكر من جملة هذه الحقوق: أن تتبع جنازته، إذا مات تتبعه من محله إلى أن يدفن لأداء حقه على إخوانه، أداء حقوق بعضهم على بعض، وللموعظة وللتذكر.