محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
الناقض الثاني: من جعل بينه وبين الله واسطة
ذكر الشيخ رحمه الله من النواقض:
الناقض الثاني: وهو من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويدعي أنهم يتوسطون له بينه وبين الله فتقضى حاجته، وهذا من الشرك، ولكن نص عليه لكثرة وقوعه في زمن المؤلف، وإلى زماننا هذا، أن المشركين يدعون: أن معبوداتهم التي يعبدونها يسمونها وسائط، فيقولون: لا بد لنا من واسطة، يكون بيننا وبين الله يقربنا إلى الله، ويسبب قبول عباداتنا، ويسبب نجاتنا من عذاب الله.
فالوسائط: هم الشفعاء والوسطاء ونحوهم، وهذا هو غرض المشركين الأولين، ذكر الله تعالى عنهم قولهم: رسم> مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى قرآن> رسم> هذا معنى الوسائط: نعبدهم حتى يقربونا إلى الله زلفى، أي: رتبة ورتبا، وكذلك قال الله تعالى: رسم> وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قرآن> رسم> أي: يجعلونهم شفعاء، هذا هو غرضهم من دعاء غير الله هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
رفع إلى شيخ الإسلام ابن تيمية اسم> سؤال قائل يقول: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله، فأجاب شيخ الإسلام في رسالة تسمى رسالة الواسطة ، طبعت في بعض مجامع التوحيد القديمة، وطبعت في المجلد الأول من مجموع الفتاوى، فذكر: أنه إن أراد بالواسطة من يعرفنا بالأحكام التي يحبها الله تعالى، والتي أمر بها فالواسطة هم الرسل، فإنهم واسطة بين الله تعالى وبين عباده، أرسلهم حتى يبينوا للناس ما نزل إليهم، وأرسلهم حتى يبلغوا رسالات ربهم فهم الواسطة.
فنحن نقول: نبينا محمد اسم> صلى الله عليه وسلم واسطة بيننا وبين الله تعالى، وصحابته رضي الله عنهم واسطة بيننا وبينه، فهو الذي علم الأمة توحيد الله، وهو الذي علمهم دين الله وشرعه، أنزل الله عليه أنزل عليه الوحي، وأنزل عليه الكتاب، وأنزل عليه الشرع، فهو الذي بلغ الناس ما نزل إليهم.
أما إذا كان يريد بالواسطة من يرفع أعمالنا إلى الله كما هو قول المشركين فإن هذا شرك، من اتخذ بينه وبين الله تعالى وسائط، وإن هذا هو غرض المشركين الأولين الذين يجعلون وسائط بينهم وبين الله، وهم الأصنام والمعبودات، ولا يزال في هذه الأزمنة، ومنذ زمن طويل هناك من يعبد هؤلاء الأموات، ويقول: إنهم وسائط بيننا وبين الله وسائط، هكذا يقول.
ثم يشبهون الله تعالى بالمخلوق، فيقول أحدهم: إذا كان لك حاجة إلى أحد الملوك، أو أحد الوزراء، فبدت لك حاجة إليه، وأنت لا تستطيع الدخول عليه، ولا مخاطبته حتى يقضي حاجتك فإنك تتوسط، تأتي بوسائط، فتتوسط بأحد أولاده، أو بأحد زملائه، أو بأحد المقربين عنده، أو بأحد كتابه أو حجابه أو خدامه حتى يدخلك عليه، أو حتى يتكلم لك فتقضى حاجتك، وإذا كان كذلك فإن الخالق كذلك، نحن ندعو هؤلاء الأولياء: ندعو الجيلاني اسم> والبدوي اسم> والسيدة زينب اسم> وسيدنا الحسين اسم> ونحوهم وهم يدعون لنا الله، ندعوهم وهم يدعون الله لنا، نطلبهم وهم يطلبون الله لنا؛ فيكونون واسطة بيننا وبين الله، كما أن الوزير واسطة بينك وبين الملك، وهكذا هذه شبهتهم.
وهذا بلا شك أنه شرك؛ وذلك أنه تشبيه للمخلوق بالخالق، فالملوك والوزراء والأمراء ونحوهم بشر، أي من جنس الناس، لا يعلمون ما في الضمير، ولا يميزون الصادق من الكاذب، وليس عندهم من المقدرة ما يعرفون به حاجات الناس كلهم، فلذلك يحتاجون إلى وسائط.
الواسطة: هو الذي يبلغهم عن شعوبهم ما يخفى عليهم، هل يقاس الخالق تعالى بهؤلاء المخلوقين؟! لا يجوز ذلك؛ فإن الرب تعالى أعلم بعباده، وأعلم بأحوالهم، ولا يخفى عليه شيء من أمورهم. بل هو الذي يحاسبهم جميعا، ويسمع كلامهم، ويعلم سرهم ونجواهم، ويعلم السر وأخفى، ولا تشتبه عليه اللغات، ولا تغلطه كثرة المسائل مع اختلاف اللغات وتفنن المسئولات، فلا حاجة به إلى أن يعرفه أحد من خلقه، أن يعرفوه بحاجات العباد، فأنت تدعوه، وهو يجيب دعوتك، كما قال تعالى: رسم> ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ قرآن> رسم> فلا يحتاج مع دعائه إلى واسطة من الوسائط.
لا شك أن هذا هو الذي يجب على كل مسلم: أن يجعل دعاءه لله وحده، وألا يصرف شيئا منه لأية مخلوق، وأن لا يجعل بينه وبين الله وسائط، بل يدعو ربه منه إليه بدون واسطة؛ فإنه إذا دعا ذلك الواسطة، وقال: يا عبد القادر اسم> اشفع لي، يا جيلاني اسم> أنت واسطتي، اقض حاجتي، أو اشفع لي في قضاء حاجتي. فقد عظم عبد القادر اسم> وقد عظم مثلا هذا المخلوق الذي دعاه، وقد جعله متصرفا، وقد جعله مدعوا، فيدخل في دعاء غير الله: رسم> وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ قرآن> رسم> الله تعالى يقول: رسم> وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا قرآن> رسم> .
فهذا بيان هذين الناقضين: الناقض الأول: الشرك بالله الذي هو أعظم الذنوب، والذي قال الله فيه: رسم> وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ قرآن> رسم> يعني: إذا ألقي في النار فكأنما خر من السماء. رسم> فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ قرآن> رسم> .
والثاني: جعل الوسائط بين العبد وبين الله، الذي هو قول المشركين: رسم> مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى قرآن> رسم> مع أن هذه الوسائط لا تنفعهم، كما قال الله عن مؤمن يس: رسم> أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ قرآن> رسم> فإذا عرف المسلم هذين الناقضين فما بعدهما أيسر منهما.
ونكتفي بهذا القدر، وعندنا مادة أخرى، وهي كتاب الجنائز من صحيح البخاري فنستمع إليه:
مسألة>