إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح الورقات
34393 مشاهدة
التعارض والترجيح

..........................................


بعد ذلك ذكر التعارض، وبحث العلماء بل هناك مؤلفات تحت عنوان التعارض والترجيح، وبين ذلك: أنه قد يجيء نصان يعارض أحدهما الآخر، ففي هذه الحال ما موقف العالم عندما يتعارض نصان؟ إما أن يكونا عامين، أو خاصين، أو أحدهما عاما، والآخر خاصا، أو كل واحد منهما عام من وجه، وخاص من وجه.
والعموم: هو الذي يكون مخاطبون به. يعني: جميع الناس. أو اللفظة التي تدل على عموم كل شيء، فمثلا: تعارض قول الله تعالى: وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ مع قوله: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ إلى قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مع أن الكتابية مشركة، فالآن تعارض نصان، ولكن يقولون: إن هذا عام، وهذا خاص، فيحمل العام على الخاص، فيكون العموم مخصص للنص الذي فيه الخصوص.
وكذلك تعارض قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فإنه عام مع قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فإنه خاص، فيحمل عند الخاص ويقيد، ويخصص عموم العام الرقبة بأنها المؤمنة.
وكذلك إذا كان أحدهما نطقا والآخر فعلا، أو ما أشبه ذلك، فإذا أمكن الجمع بينهما فإنهم يسلكون طريق الجمع، ويحرصون على أن لا يكون بين النصوص شيء من التعارض، وإذا أمكن الجمع فإنه يتوقف فيهما إذا لم يعلم التاريخ.
ذكر الصنعاني في سبل السلام أنه في كتابه، في كتاب له سماه: حاشية ضوء النهار منحة الغفار تعارض عنده حديثان، أو أحاديث في الزنا، هل يجمع على الزاني بين الرجم والجلد؟ يجلد ثم يرجم لقوله في الحديث: جلد مائة والرجم أو يقتصر على الرجم؟ لاقتصاره -صلى الله عليه وسلم- عليه في أحاديث، فذكر أنه في منحة الغفار رجح أنه يجمع بينهما، وفي سبل السلام توقف، يقول: عندنا أحاديث صحيحة في الجمع بين الرجم والجلد، وعندنا أحاديث صحيحة في الاقتصار على الرجم، فأنا أتوقف حتى يفتح الله، فلم يرجح أحدهما على الآخر.
يقول: إذا علم التاريخ فإنه يعمل به، فيجعل المتأخر ناسخا للمتقدم، إن علم التاريخ نسخ المتقدم بالمتأخر، وكذا إن كانا خاصين يعلم التاريخ، فيعمل بالمتأخر، وإذا لم يعلم يتوقف فيهما.
وأما إذا كان أحدهما عاما والآخر خاصا فيخصص العام بالخاص، مثلوا بالأحاديث التي فيها النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط: أنها عامة، خصصت بما إذا كان في البنيان، فيحمل الخاص على العام، هكذا مثل بعض العلماء.
وإذا كان أحدهما عاما من وجه، وخاصا من وجه، فيخصص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر. يعني: يحمل أيضا الخاص على العام، فيكثر عند الفقهاء: أنهم يحرصون على الجمع. الجمع بين الأحاديث بقدر ما يستطيعون، فإذا لم يتمكنوا قالوا: بالنسخ أو بالتوقف. والله أعلم.