إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
48300 مشاهدة
شرعية الإحرام من المواقيت المكانية

القسم الثاني: مواقيت مكانية:
أما المواقيت المكانية فإنها التي حددها وقدرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنته، فثبت في الصحيح عن ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا، ولأهل اليمن يلملم قال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمُهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة يهلون من مكة
هذه هي المواقيت المفروضة، والتي تسمى بالمواقيت المكانية.
وسبب شرعيتها وشرعية الإحرام منها، أن هذا المكان المقدس الذي هو البيت العتيق له مكانته وشرفه وفضيلته وحرمته، فإذا أقبل الناس إليه ودفعهم الشوق إلى تلك المشاعر، وقربوا منه، شرع لهم أن يظهروا بصفة يتميزون بها عن غيرهم، فيعرفهم غيرهم بأنهم من الوافدين إلى هذا البيت فشرع لهم لباس خاص يتميزون به قبل أن يصلوا مكة بمسافة، وشرع لهم شعارٌ خاصٌ وهو التلبية، وكان ذلك دليل إجابتهم.
لقد شرع الحج على لسان إبراهيم بقوله: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (سورة الحج، الآية: 27)، كما روى ذلك ابن جرير وابن عباس ومجاهد في تفسير هذه الآية من سورة الحج، فقد أمره الله أن ينادي فقال: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. فأسمع الله من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فجاءوا من كل فج عميق، رافعين أصواتهم يُهِلُّون بالتلبية، لبيك اللهم لبيك، أي: نحن مجيبون لك أيها الداعي، فكان من حكمة الله أن جعل لهذا البيت أماكن نائية بعض الشيء إذا وصل إليها المسلم قاصدا مكة فإنه يعمل عملا يتسم ويتميز به عن غيره، تدل على إجابته للنداء، وتعظيمه لشعائر الله: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (سورة الحج، الآية: 32) .
ولا شك أن تعظيم تلك المشاعر تعظيم لله الذي أمر عباده بالتعبد فيها، لا لأنها أماكن ولا لأنها بنايات أو مقامات، ولكن يعظمونها بأمر الله، وهم يذكرون الله فيها، ويقرؤون كلامه، ويركعون ويسجدون، ويخضعون له ويذلون ويتواضعون، وهم منيبون إليه.