الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
فتاوى الزكاة
113750 مشاهدة
رابعا المؤلفة قلوبهم


رابعا : المؤلفة قلوبهم:
     كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم تأليفا لهم، إما قائدا يرجى إسلامه، أو يرجى إسلام نظيره، أو يرجى كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانية، أو يرجى أنه يتولى جباية الزكاة من قومه، فإذا لم يعط فإنه لا يجبي الزكاة بل يجحدها أو يمنعها، فهؤلاء سادة في قومهم مطاعون يعطون تأليفا لهم؛ حتى يؤمن شرهم، وحتى يقوى إيمانهم، وحتى يكونوا ناصحين ومخلصين لولي الأمر، فهذا هو سبب إعطائهم.
     فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه وقوي الإسلام وتمكن، وصار القادة والسادة الذين كانوا في أول الإسلام يخاف من شرهم كآحاد الناس لم يعطهم من الزكاة، وقال: إن الله قد نصر الإسلام، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
     وفد عيينة بن حصن إلى المدينة وكان ابن أخيه الحر بن قيس من جلساء عمر رضي الله عنه، وكان جلساء عمر هم القراء شبابا كانوا أو شيبا، فقال عيينة لابن أخيه: لك يد عند هذا الأمير اشفع لي حتى أدخل عليه، وكان قد اشتكى أن عمر لم يعطهم ما كان يعطيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه وقال بصوت جهوري: يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل فهذه كلمة نابية جافية من أحد أجلاف العرب، وغضب عمر وكاد أن يبطش به، ولكن ابن أخيه حثه على العفو، وقرأ عليه قول الله تعالى: خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ فوالله ما جاوزها وكان وقافا عند كتاب الله.
     وكان عيينة بن حصن هذا من المؤلفة قلوبهم، هو والأقرع بن حابس ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لما انتصر على هوازن وقسم غنائمهم، قسم الإبل، فأعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى شاعرا من شعراء بني سليم وهو العباس بن مرداس أقل من المائة، فأنشأ يقول:
أتجعل نهـبي ونهـب العبــيـد كـنــهب عُيَيـْنةَ والأقــــرعِ
وما كان بـدْرٌ ولا حـــابــس يفوقان مرداس فــي المجـــْمَعِِ
وما كنتُ دونَ امــرئ منهـمـا ومن تخْفِض اليـــوم لـا يـُرْفَعِِِ
     يعرض بالأقرع وعيينة فدل على أنهما ممن كان يتألفهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان في عهد عمر قطع هذا التأليف وأسقط حقهم.
     اتصل بي مرة من البحرين أحد الجهلة من أهل السنة، ولكنه انخدع بمن عنده من الرافضة الذين طعنوا في عمر فقالوا: عمر أسقط حقا في كتاب الله، أسقط حق المؤلفة قلوبهم، وهو في القرآن، فجعلوا ذلك طعنا، فعجبت لهذا الذي صدقهم، فقلت له: إن التأليف يستعمل عند الحاجة إليه، فهو لم يسقط الآية ولم يسقط حقهم الذي في الآية، بل الآية موجودة، ولكنه رأى أن التأليف له مناسبة وله وقت، فإذا لم يحتج إلى التأليف لقوة الإسلام فلا حاجة إلا إعطائهم؛ لأن هذه الصدقات تجمع من الناس لمن يستحقها، وهؤلاء أثرياء وأغنياء فلا حاجة إلى تأليفهم ما دام الإسلام قويا.