إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
90355 مشاهدة
حكم رواية الإسرائيليات وبيان من اشتهر بروايتها

وما لم يكن كذلك فكان مما يؤخذ عن أهل الكتاب كالمنقول عن كعب ووهب ومحمد بن إسحاق وغيرهم ممن يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، وذلك أن كعب الأحبار يثق به كثير من السلف وينقلون عنه أخبارا غير صحيحة تسمى الإسرائيليات، وكذلك وهب بن منبه وهو أيضا عنده كتب من كتب بني إسرائيل وقد أكثر بعض المفسرين من النقل عنه، منهم ابن جرير نقل عنهما كثيرا في كثير من المواضع، وكذلك البغوي فتجدون في تفسير قوله تعالى: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ روايات كثيرة، ابن كثير رحمه الله أعرض عنها وروى فيها حديثا مرفوعا، وحقق أنه أيضا ليس بمرفوع؛ لأنه رواه عن ابن عمر مولاه نافع وجعله مرفوعا إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- ورواه عنه ابنه سالم وجعله منقولا عن كعب ثم قال ابن كثير سالم أحفظ لحديث أبيه من نافع فتبين أن الحديث المرفوع لم يثبت.
كذلك أوردوا عند تفسير قوله تعالى: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ حكايات كثيرة في صفة قتل جالوت وكيف قتله داود حكاية يشهد العقل الصريح بكذبها، وكذلك أوردوا في قصة أيوب في سورة الأنبياء في قوله وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ حكايات كثيرة يعلم أنها لا أصل لها، وكذلك أوردوا في قصة داود في قوله: إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ إلى آخر حكايات أيضا كثيرة كلها من الإسرائيليات، وأشباه ذلك كثير.
فمثل هذه الإسرائيليات التي عن كعب ووهب وكذلك عن محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وكان أيضا عنده بعض الكتب التي نسخها من كتب بني إسرائيل، وغيره ممن يأخذون عن أهل الكتاب هذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه فقولوا مثل ما قال الله قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ هذا إيمان مجمل، آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مثل الإيمان المجمل في قوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ إيمانا مجملا، ما كان فيه من حق فإنا نقبله وإن كان في غير شرعنا نؤمن به إيمانا مطلقا ويكفينا العمل بما في شرعنا، وكذلك ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، وكذلك من التابعين أيضا ينقلون عن أهل الكتاب ينقلون عن كعب وعن وهب وعن كتب أخذوها أيضا استنسخوها من كتب بني إسرائيل.