من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
90435 مشاهدة
الألفاظ المترادفة

يقول: إما لكونه متواطئا في الأصل والتواطؤ معناه أن يكون المعنى له عدة ألفاظ يعبر بها عنه، المعنى الواحد قد يكون له عدة أسماء، كأسماء الأسد، فإنها أسماء متواطئة: الأسد والهزبر والليث مسميات متواطئة؛ لأنها كأن العرب تواطئوا على تسميتها بعدة هذه الأسماء.
فالاشتراك اشتراك أكثر من واحد في لفظ واحد كقسورة، والتواطؤ كون المعنى الواحد يطلق عليه عدة أسماء، يقول: لكن المراد به أحد النوعين أو أحد الشيئين، هذا المتواطئ مثل قوله تعالى: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى من المراد بالذي دَنَا فَتَدَلَّى قيل: إنه الملك دنا من النبي صلى الله عليه وسلم وتدلى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى وقيل: إن المراد به النبي محمد صلى الله عليه وسلم لما عرج به، أنه دنا من ربه وأنه كان قاب قوسين أو أدنى، واللفظ مشتمل يعني متواطئا.
ومثل الفجر في قوله تعالى: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ قيل: إن المراد به الفجر يعني الصلاة وقيل: إن الفجر هو انفجار الصبح، والليالي العشر قيل: إنها ليالي عشر رمضان، وقيل: عشر ذي الحجة متواطئا يصلح كذا وكذا، والشفع والوتر الشفع هو العدد الزوج والوتر هو العدد الفرد، قيل: إن المراد بها الصلوات منها شفع ومنها وتر وقيل غير ذلك.
يقول: مثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف، وقد لا يجوز ذلك، فالأول إما أن يكون ذِكْرٌ للآية نزلت مرتين فأريد بها هذا تارة وهذا تارة يعني قد يراد أن الآية نزلت في مثل ثلاثة قروء نزلت في القروء التي هي الأطهار أو القروء التي هي الحيض وما أشبه ذلك، وكذلك أن التدني هو التدلي، إما أنه نزل مرة وأراد به النبي صلى الله عليه وسلم ومرة يراد به جبريل يمكن أن يكون هذا وهذا.
يقولون: إما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يراد به معنياه، اللفظ المشترك الذي يطلق على هذا وهذا، كلفظة القروء مشتركة، ولفظة ( عسعس ) ولفظة قسورة هذه مشتركة، يجوز أن يراد به معنياه، ولهذا يقول بعضهم: إن المراد إقبال الليل وإدباره وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ يعني: أقبل وأدبر.
وقد جوز ذلك أكثر الفقهاء المالكية والشافعية والحنبلية وكثير من أهل الكلام جوزوا أن يراد باللفظ معنيان إذا كان يصلح له المعنيان، أهل الكلام هنا المتكلمون وأكثرهم من الحنفية، وإما لكون اللفظ متواطئا فيكون عاما إذا لم يكن لتخصيصه موجب رغم أن المتواطئ هو الأسماء المتعددة، الشيء الذي له عدة أسماء، فإن العرب تتوسع في كثير من الأسماء، كما ذكروا أنهم وضعوا للسيف ألف اسم، وللثعبان مائتين وللأسد خمسمائة، إن هذه هي الألفاظ المتواطئة فيكون عاما إذا لم يكن لتخصيصه موجب.