إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
77078 مشاهدة
التنقص من المسلمين يؤدي إلى النفرة والتقاطع بينهم

...............................................................................


وما ذاك إلا أن هذه الأمور تسبب النفرة بين المسلمين، فإذا قيل لك: إن فلانا يقدح في عدالتك ويتنقصك ويعيبك بسوء الخلق، ويعيبك بالشراسة وبالجفاء وبغلظ الطبع، ويقدح فيك بأنك لا تقبل شهادتك، ولست أهلا لأن تصطفى وتختار، ولا أن تعمل عملا موثوقا به، ويقول: إنك من الخائنين وإنك من الكذبة، وإنك من الفسقة؛ يرميك بأشياء أنت بريء منها، أو فيك بعض الأشياء ولكنه يزيد ويضاعف ما فيك، ويسبك سبا ينقص به قدرك عند فلان وفلان.
في هذه الحال لا شك أنك تسبه، وتلتمس عثراته، وتقدح فيه كما قدح فيك، وتتبع صفاته، وتنظر في ما فيه من العيوب فتفشيها عادة، وتقول: أنتقم منه كما أنه عمل معي وتستدل بقوله: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وبقول الله: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ فهذا لا شك أنه يسبب النفرة والتقاطع بين المسلمين، ووقوع العداوة والبغضاء التي تسبب أن كل منهم يستبد برأيه، وأنه ينفرد بعمله فلا يحصل تعاون بين المسلمين، ولا يحصل مساعدة على الخير، ولا يحصل أمر بالخير ودعوة إليه، بل كل يقول: عليكم بفلان أنا لست مسئولا، وإذا جاءك من يطلب منك أن تأمره وتنهاه تعتذر، وتقول: إنه يبغضني وأنا أبغضه إنه قد سب فلانا وفلانا، وما أشبه ذلك.
لا شك أن هذا أثر من آثار إطلاق الألسن في القذف والعيب في المسلمين، ولذلك ورد في الحديث: يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المؤمنين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع عورته يفضحه ولو في جوف بيته هذا لا شك أنه أثر من آثار هذا السباب، لا يكون السباب له أصحاب وله رفقاء، بل كل يبغضه ويمقته؛ فيسبب عداوة ومقاطعة بين المسلمين، ولذلك ورد التحذير من ذلك ورد قوله -صلى الله عليه وسلم- ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء .