جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
خواطر رمضانية
12954 مشاهدة
وداعا يا شهر التوبة

ورد في الحديث أن صيام رمضان سبب لمغفرة الذنوب وكذا قيامه، وقيام ليلة القدر والصحيح أن المغفرة تختص بالصغائر، لقوله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنب الكبائر رواه مسلم والجمهور على أن الكبائر لا بد لها من توبة.
ثم إن العبد بعد فراق رمضان وقد كُفِّرت عنه سيئاته، يجب عليه أن يحافظ على الصالحات، ويحفظ نفسه عن المحرمات، وتظهر عليه آثار هذه العبادات في بقية حياته، فذلك من علامات قبول صيامه وقيامه وقرباته، فإذا كان بعد رمضان يحب الصلوات ويحافظ على الجُمع والجماعات، ويكثر من نوافل الصلاة، ويصلي من الليل ما قدر له، ويُعوِّد نفسه على الصيام تطوعًا ، ويكثر من ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره، وتلاوة القرآن الكريم وتدبره وتعقله، ويتعاهد الصدقة، ويصل أرحامه ويبر أبويه، ويؤدي ما عليه من الحقوق لربه وللعباد، ويحفظ نفسه ويصونها عن الآثام وأنواع الجرائم، وعن جميع المعاصي وتنفر منها نفسه، ويستحضر دائمًا عظمة ربه ومراقبته وهيبته في كل حال، إذا كان كذلك بعد رمضان، فإنه دليل قبول صيامه وقيامه، وتأثره بما عمل في رمضان من الصالحات والحسنات.
ومع ذلك فإن صفة الصالحين وعباد الله المتقين الحزن والأسى على تصرم الأيام الشريفة، والليالي الفاضلة، كليالي رمضان، وهذه صفة السلف الصالح وصدر هذه الأمة رحمهم الله تعالى ، فإنهم يحزنون لانصراف رمضان، ومع ذلك يدأبون في ذكره، فيدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، ثم يدعونه ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فتكون سَنَتُهم كلها في ذكر هذا الشهر، فهو دليل على عظم موقعه في نفوسهم، ويقول قائلهم:
سلام من الرحمن كـل أوان على خير شهر قد مضى وزمان
سلام على شهر الصيام فإنه أمان من الرحمن كل أمـــان
لئن فنيت أيامك الغر بغـتة فما الحزن من قلبي عليك بفـان
لقد ذهبت أيامه وما أطعتم.
وكتبت عليكم فيه آثامه وما أضعتم.
وكأنكم بالمشمرين وقد وصلوا وانقطعتم.
أترى ما هذا التوبيخ لكم؟ أوما سمعتم ؟ .
قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن؟ ومن ألم فراقه تئن؟
كيف لا تجرى للمؤمن على فراقه دموع؟! وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع.
شعر:
تذكرت أياما مضت ولياليا خلت فجرت من ذكرهن دموع
أين حرق المجتهدين في نهاره؟!
أين قلق المتهجدين في أسحاره؟!
فكيف حال من خسر في أيامه ولياليه؟!
ماذا ينفع المفرط فيه بكاؤه وقد عظمت فيه مصيبته وجل عزاؤه؟!!
كم نصح المسكين فما قبل النصح؟!
كم دعى إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح؟!
كم شاهد الواصلين فيه وهو متباعد؟!
كم مرت به زمر السائرين وهو قاعد؟!
حتى إذا ضاع الوقت وخاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم.
وطلب الاستدراك في وقت العدم.
دموع المحبين تدفق.
قلوبهم من ألم الفراق تشقق.
عسى وقفة للوداع تطفي من نار الشوق ما أحرق.
عسى توبة ساعة وإقلاع ترفوا من الصيام ما تخرق.
عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق.
عسى أسير الأوزار يطلق.

عسى من استوجب النار يعتق.
لا شك أن شهر رمضان أفضل الشهور فقد رفع الله قدره وشرفه على غيره، وجعله موسما للخيرات، وجعل صيامه وقيامه سببا لمغفرة الذنوب وعتق الرقاب من النار.
فتح فيه أبوابه للطالبين، ورغب في ثوابه المتقين.
فالظافر من اغتنم أوقاته، واستغل ساعاته، والخاسر من فرط في أيامه حتى فاته.
جعله الله مطهرا من الذنوب وساترا للعيوب وعامرا للقلوب.
فيه تعمر المساجد بالقرآن والذكر والدعاء والتهجد.
وتشرق فيها الأنوار وتستنير القلوب.
فهو شهر البركات والخيرات.
شهر إجابة الدعوات.
شهر إغاثة اللهفات.
شهر الإفاضات والنفحات.
شهر إعتاق الرقاب الموبقات.
فيه تكثر الصدقات وتتضاعف النفقات ويجود المسلم بما يمكنه من العطايا والهبات.
ترفع فيه الدرجات، وتقال فيه العثرات، وتسكب فيه العبرات، فبعده تنقطع هذه الحسنات.

فمن قبله الله فهو من أهل الكرامات وأعالي الدرجات في نعيم الجنات، ومن رُدَّ عليه عمله فهو من أهل الحسرات؛ لما فاته من الخيرات.
فلا أوحش الله منك يا شهر الصيام والقيام.
ولا أوحش الله منك يا شهر التجاوز عن الذنوب العظام.
ولا أوحش الله منك يا شهر التراويح.
ولا أوحش الله منك يا شهر الذكر والتسبيح.
ولا أوحش الله منك يا شهر المصابيح.
ولا أوحش الله منك يا شهر التجارات المرابيح.
ولا أوحش الله منك يا شهرًا يترك فيه كل قبيح.
فيا ليت شعري من المقبول منا فنهنيه، ومن المردود منا فنعزيه.
فيا أيها المقبول هنيئًا لك، ويا أيها المردود جَبر الله مصيبتك.
عباد الله : حافظوا على عبادة ربكم بعد هذا الشهر، وإياكم أن تعودوا لما كنتم فيه من الذنوب والخطايا؛ فإن رب الشهرين واحد، وهو الذي كلفكم وأمركم ونهاكم، فإياكم أن تعودوا لما مضى من التفريظ والإهمال، حتى يمحوا الله عنكم السيئات ويقبل منكم الحسنات ، وأكثروا من دعاء الله تعالى والتضرع بين يديه.