الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
الإعلام بكفر من ابتغى غير الإسلام
12686 مشاهدة
الإعلام بكفر من ابتغى غير الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله الذي خلقنا للعبادة، ونفذ فينا تصرفه ومراده، ووفق من شاء من خلقه لتوحيده .وإفراده، وخذل آخرين ورماهم بطرده وإبعاده، أحمده سبحانه وأشكره، وقد وعد الشاكرين بالزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهي أفضل شهادة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه وأحفاده.
أما بعد :
     فقد قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ومعنى (يعبدون) يوحدون، أي أنه تعالى أوجد هذا النوع من الإِنس والجن، وكلفهم وأمرهم ونهاهم، وقد أقام عليهم الحجة، حيث آتاهم العقول التي يحصل بها التفكر والإدراك، ونصب لهم الآيات البينات، التي يحصل بالنظر فيها التذكر والاعتبار، فسخر لهم الليل والنهار، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ومطر ونبات، وأرزاق وأقوات، وجموع وأشتات، وإخوان وأخوات، وآباء وأمهات، وأبناء وبنات، وآيات بعد آيات.
     وقد لفت أنظارهم إلى هذه المخلوقات، فقال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا الآيات، وقال تعالى: أفلم يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ الآيات، وقال تعالى: وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ الآية، ونحو ذلك من الأدلة والبراهين.
وقد انتبه لذلك بعض العقلاء في الجاهلية والإسلام، وعرفوا أن هذا الكون لا بد له من خالق مدبر متصرف، فقد ذكر المؤرخون خطبة قس بن ساعدة الإيادي الجاهلي والذي ذكر فيها: أن لله دينا هو أحب من الدين الذي هم عليه، ونبيا قد حان أجل خروجه، وهكذا ذكروا قصة زيد بن عمرو بن نفيل الذي ترك عبادة الأصنام، وحرم أكل ما أهل به لغير الله، وهو جاهلي، وغيره كثير .
وفي ذلك يقول ابن المعتز :
فيا عَجَبـا كَيْـفَ يُعْصـى الإِلَـهُ أَمْ كَيْــفَ يْجحـدُهُ الجاحِـدُ
وفـي كُـلِّ شــيءٍ لـهُ آيَــةٌ َ ََتَـدُلُّ عَلَى أَنَّــهُ وَاحِـــدُ
وَلَـــهُ فــي كُلِّ تَحرِيكَـــةٍ َ َوَتَسْـكِينَةٍ أَبــَدا شَـاهــِدُ
ويقول آخر:
تَأَمَّل فـي نَباتِ الأَرضِ وانظـر إِلـى آثَـارِ مَـا صَنَعَ الملِيـكُ
عُيُـونٌ مِـنْ لُجيـن شَاخِصَاتٌ َبـأحدَاقٍ هِيَ الذّهـبُ السَّبِيـكُ
على قُضُـبِ الزَّبَرْجَـدِ شَاهِدَاتٌ َبِـأَنَّ اللـه لَيْـسَ لَـهُ شَرِيـكُ
     ومع هذه الآيات والبينات، فإن ربنا سبحانه لم يتركنا هملا، بل أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وبَيَّنَ للناس ما نزّل إليهم، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ .
     وورد في الحديث عن زيد بن ثابت و أُبي بن كعب مرفوعا: لو أن الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته أوسع من أعمالهم رواه أحمد وغيره .
     وحيث إن جميع نوع البشر خلقوا للعبادة، فإن فرضا عليهم أن يدينوا لله تعالى بالتوحيد، ولنبيه - صلى الله عليه وسلم - بالطاعة، فمن أطاعه وشهد له بالرسالة وتقبَّل شريعته فهو من أهل الجنة، ومن عصاه ودان بغير الإسلام فهو من أهل النار.
     وقد ختم الله الرسالة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل دينه وشريعته آخر الشرائع، وأرسله إلى جميع الناس بل إلى الثقلين، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى رواه البخاري .
    وقد سلط الله على الإنسان أنواعا من الأعداء كالشياطين، قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا أي تدفعهم إلى التمادي في الكفر وتصدهم عن الهدى، وكالنفس الأمَّأرة بالسوء والنفس اللوامة، وكالهوى الذي يُعمي ويصم، وكالشهوات التي تغري بتناولها من يميل إليها، ولو كانت محرمة أو ضارة بالعقل والدِّين.
     وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: حفت الجنة بالمكاره، وحفّت النار بالشهوات متفق عليه  فلأجل ذلك لا يستغرب قلة من يعتنق الإسلام ويدين به، ولو كان هو دين الفطرة، ودين العقل السليم، لكن لوجود الصوارف عنه صار أهله قلة في غيرهم، وكثيرا ما يذكر الله عن الأكثرين قلة التعقل والعلم، كقوله تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ .
     وقد كنت كتبت مقالة كرد على شخص نشر مقالة يبرر فيها الأديان التي يدين بها المشركون واليهود والنصارى والهندوس وغيرهم، ويستبعد أن يعذبهم الله بالنار، وقد نشرت تلك المقالة في بعض الصحف المحلية، فأحب بعض الإخوان طبعها والزيادة عليها في رسالة صغيرة، فأجبته إلى ذلك لتعم الفائدة، والله الموفق والمعين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين