قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
خواطر رمضانية
12960 مشاهدة
الصوم الصحيح

كثير من عامة الناس يحافظون على العبادات في أيام رمضان، وكأنهم يستنكرون أن يتركوا العبادتين: الصوم والصلاة، أو يفعلوا عبادة دون عبادة.
فتراهم يستنكرون أن يتركوا الصوم والصلاة، ويستنكرون أن يؤدوا الصوم دون الصلاة، أو يفعلوا شيئا من المحرمات.
تجدهم في رمضان يتوبون ولكن توبة مؤقتة، فهم في أنفسهم عازمون على العودة إلى المعاصي ، ففي رمضان يحافظون على الصلاة، ويتوبون عن الخمر أو عن الدخان مثلا ، أو عن الاستماع إلى الأغاني والملهيات ونحو ذلك ، أو عن بعض الشعارات الباطلة أو عن الصور الخليعة، أو ما أشبه ذلك، ولكن يحدثون أنفسهم أنهم بعد شهر رمضان سيعودون إلى ما كانوا عليه ولهذا يتمنون انقضاء هذه الأيام وإذا أقبل رمضان حثوا أنفسهم، وتناولوا ما قدروا عليه من الخمر ومن غيرها حتى قال بعضهم:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر
والعياذ بالله ... فهؤلاء ربما يفرقون بين رمضان وما بعد رمضان ؛ فيستكثرون من تناول الحرام وفعله قبل أن يأتي شهر رمضان ؛ لأنهم سيتركونه مدة هذا الشهر فقط ، ثم يعودون إليه، حتى قال بعضهم:
إذا العشرون من شعبان ولّت فبادر بالشراب إلى النـــهارِ
ولا تشـرب بأقداحٍ صغــارٍ فإن الوقتَ ضـاق على الصغارِ
فمثل هؤلاء لم يتأثروا بصومهم، فالإنسان يستعيذ بالله أن يكون من هؤلاء الذين ما نفعهم صومهم ولا زجرهم عن المحرمات، وإذا فعلوا شيئا من العبادات فعلوها بنية التَّرك! وإذا تركوا شيئًا من المعاصي تركوها بنية الفعل بعد أن ينفصل الشهر! كما قال شاعرهم وأميرهم:
رمضان ولّى هاتِها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ
فهو ينادي ساقي الخمر بأن يأتي إليه بالشراب مسرعًا؛ لأن رمضان قد انقضى وولَّى، وكأن الخمر حرام في رمضان حلال في غيره.
فالصوم الصحيح هو الذي يحفظ فيه الصائم صيامه؛ فيحفظ البطن وما حوى، والرأس وما وعى، ويذكر الموت والبِلى، ويستعد للآخرة بترك زينة الحياة الدنيا، ويترك الشهوات التي أساسها شهوة البطن والفرج، ويذكر بعد ذلك ما نهاه الله عنه من الشهوات المحرمة في كل وقت ، ويذكر أيضًا أن الصوم هو في ترك هذه الشهوات، فما شرع الله الصوم إلا لتقويم النفوس وتأديبها.