تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
من كتاب المواهب الجلية في المسائل الفقهية للشيخ عبد الرحمن السعدي
11745 مشاهدة
شروط الخُطبة وأدلتها

وأما اشتراط تلك الشروط في الخطبتين: الحمد والصلاة على رسول الله, وقراءة آية من كتاب الله ـ فليس على اشتراط ذلك دليل، والصواب أنه إذا خطب خطبة يحصل بها المقصود والموعظة أن ذلك كاف، وإن لم يلتزم بتلك المذكورات.
نعم من كمال خطبته الثناء فيها على الله وعلى رسوله، وأن تشتمل على قراءة شيء من كتاب الله، وأما كون هذه الأمور شروطا لا تصح إلا بها سواء تركها عمدا أو خطأ أو سهوا ففيه نظر ظاهر.
وكذلك كون مجرد الإتيان بهذه الأركان الأربعة من دون موعظة تحرك القلوب يجزي ويسقط الواجب، وذلك لا يحصل به مقصود؛ فغير صحيح.


يشترط الفقهاء للخطبة أربعة شروط:
الأول: حمد الله والثناء عليه.
والثاني: الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والثالث: الوصية بتقوى الله تعالى.
والرابع: قراءة آية.
هكذا قالوا، ويزيد بعضهم شرطا خامسا: وهو الشهادتان؛ لأنه جاء حديث: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء يعني مشلولة، والحديث فيه مقال.
أما حمد الله؛ فإن هذا هو الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان يفتتح الخطب بحمد الله دائما، لم يُذكر أنه كان يبدأ بغير الحمد.
نقل بعضهم أنه كان يبدأ خطبة العيد بالتكبير، ولكن ما ثبت ذلك.
كذلك الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء الأمر بها في القرآن وكذلك في بعض الأحاديث، وبالأخص في يوم الجمعة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة علي فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي فهذا دليل على استحباب وتأكيد كثرة الصلاة عليه، ففي الخطبة أولى أو في كل الخطبتين.
وجاء أيضا ما يدل على أن أنها وسيلة وسبب لقبول الأدعية، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يُصلَّى علي وفي حديث فضالة لما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يدعو ولم يحمد الله، ولم يصل على النبي قال: إذا دعا أحدكم؛ فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، ثم ليصل على النبي، ثم ليدع بما أحب .
فإذا كان الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلى عليه -صلى الله عليه وسلم- فإن أولى ذلك بالخطب؛ لأنه يُندب في الخطب أن يَذكر أدعية، وأن يدعو للمسلمين.
وأما موضوع الخطبة: فإنه التعليم، والمواعظ وما أشبه ذلك أن يذكر شيئًا يُحرك القلوب، وأن تشتمل الخطبة على نصائح، وعلى تعليمات، وعلى أحكام، وعلى ذكر فوائد وحلال وحرام ونحو ذلك حتى يستفيدوا؛ لأن كثيرا من الناس لا يحضرون مجالس العلم ولا حلقات العلماء، ما يحضرون إلا لصلاة الجمعة.
تُشاهدون أن الجوامع تمتلئ في يوم الجمعة، هؤلاء الذين يأتون يمكن أنهم لا يسمعون موعظةً إلا في صلاة الجمعة، وإذا كان كذلك؛ فإن على الخطباء أن يُضمِّنوا خطبهم نصائح ومواعظ.
وكذلك أيضا يُضمنوها أحكامًا؛ ذِكر كثيرًا من الأحكام التي يحتاج إليها الجمهور؛ حتى يرجعوا بفائدة، ولو كان كثير منهم يعلم تلك الأحكام ولكن في تكرارها، وفي ذكر تأكيدها ما يُستفاد منه يستفيد منه الخاص والعام.
فعلى هذا كأن ابن سعدي هنا يقول: إنه لا يلزم اشتراط الحمد، ولكن هذا مخالف لما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يبدأ خطبه إلا بحمد الله، ولكن قد لا يشترط كلمة الحمد، بل لو أتى بما يدل على الثناء على الله كفى.
والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- يمكن أن لا تشترط إلا في الخطبة التي فيها دعاء ونحو ذلك.
وقراءة آية من كتاب الله تعالى قد يُقال: إن ذلك ليس بشرط، ولكن الثابت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في خطبه كثيرا ما يقرأ آيات من القرآن، وكثيرا ما يكرر الآية أو السورة؛ حتى حفظت عنه سورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ أنه كان يخطب بها في الجمعة - السورة كاملة - مما يدل على أنه كان يكثر في الخطب من قراءة الآيات.
فعلى هذا إذا خطب خطبة بليغة يحصل بها المقصود وفيها مواعظ، فإن ذلك يكفي، يحصل بها نفع السامعين واستفادتهم، وإن لم يلتزم بقراءة آية كاملة أو نحو ذلك، وكذلك لم يلتزم بذكر الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا إذا جرى ذكره.
لا شك أن من كمال الخطبة الثناء على الله لأن الخطيب يُذكر الحاضرين كأنه يقول لهم: إنني أذكركم، وأعظكم وأفيدكم، ولا تحصل الفائدة إلا بأن يُثني على الله تعالى؛ فإنهم إذا سمعوا ذكر الثناء على الله، وسمِعوا ذكر عظمة الله وعظمة جلاله وكبريائه؛ عظُم قدر ربهم في قلوبهم، وحصل أنهم يُوقرون أمر الله، وأنهم يخافون من سطوته وعذابه، يُذكرهم بأن الله تعالى معهم أينما كانوا؛ يسمعهم ويراهم، ويذكرهم بأن الله على كل شيء قدير، وأنه شديد العقاب، فيذكرهم بآيات الخوف، ويذكرهم بآيات الرجاء، ويذكرهم بآيات العظمة، وما أشبه ذلك؛ فذلك مما تحصل به الفائدة.
وتكون أيضا تلك المواعظ مشتملة على ذكر آية أو آيات من كتاب الله تعالى، كذلك أحاديث من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن لا يُقال: إن هذه شروط لا تصح إلا بها، بل لو تركها عمدًا، أو خطأ، أو سهوًا ففيه –يعني- فلا نقول: إنها بطلت صلاته، ولا بطلت خطبته؛ يعني لو لم يبتدئ بالحمد، ولكن أثنى على الله تعالى.
لما وقف على المنبر ابتدأ بقوله: اذكروا ربكم سبحانه فإنه أهل للذكر، فهو أهل الثناء، وأهل المجد وهو العظيم، وهو الكبير المتعالي، وهو الذي خلق فسوى، وهو الذي يعلم السر وأخفى، هذا ثناء على الله، وكذلك أيضا لو قال: صلوا على نبيكم، فإنه واسطة بينكم وبين الله، وهو الذي دلكم على الخير وما أشبه ذلك.
كذلك لو قال: خافوا الله تعالى؛ فإنكم خلقتم لعبادته، وإنه أعد لمن عبده الثواب، ولمن لم يعبده وعبد غيره العقاب؛ كان ذلك أيضا موعظة، وأشباه ذلك.
ومعلوم أنه لو اقتصر على قوله –مثلا- الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن إله إلا الله، وقرأ –مثلا- آية قصيرة كقوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ثم نزل، ما حصل بذلك المقصود، لا بد أن هناك موعظة يتأثرون منها، تُحرِّك القلوب، وتُجزي؛ ويسقط بها الواجب.
..حتى لو قال.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قلت لصاحبك أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت مع أن هذا أمر بالخير؛ أنصت، جعل هذا لغوًا.
فلذلك يلزم أن يكون الناس في الخطبة مُنصتين مُصيخين، لا يشتغلون بغير سماع الخطبة، لا يتكلم بعضهم مع بعض، ولا يتحركون حتى قال: من مسَّ الحصى فقد لَغا كانوا يصلون على حجارة؛ على حصى فيه شيء من الحصباء وفيها حجارة، فيقول: سَوُّوا أماكن سجودكم بتلك الحجارة قبل أن يبدأ الخطيب، أما في حالة الخطبة فلا تتحركوا؛ لأن ذلك مما يصدكم على الإنصات.
فالكلام في حالة الخطبة ممنوع، ولو لم يكن في أركانها، ولو كان في حالة الموعظة، وحتى في حالة الدعاء؛ في حالة شروعه في الدعاء؛ فاسم الخطبة يَعم ذلك كله.