يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
42613 مشاهدة
باب ظلم دون ظلم

باب: ظلم دون ظلم. حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة ح. قال: وحدثني بشر قال: حدثنا محمد عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله لما نزلت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ قال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أينا لم يظلم نفسه؟ فأنزل الله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .


الظلم: وضع الشيء في غير موضعه اللائق به. وهو من خصال الكفر من خصال الكفار؛ بمعنى: أن الظالم هو الذي يتعدى على غيره، سمى الله تعالى الكفر ظلما في قوله: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأنهم وضعوا الإيمان في غير موضعه، لم يؤمنوا الإيمان الواجب فصار الكفر ظلما.
وكذلك أيضا سمى الله الشرك ظلما في قوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فدل على أنه من أظلم الظلم؛ لأنه وضع للعبادة في غير موضعها؛ حيث وضع ذلك الشريك في موضع الخالق وجعل له شركا في العبادة.
وأما ظلم النفس فإنه أقل من الشرك، الإنسان يكون ظالما لنفسه ولا يخرجه ذلك عن الإيمان، في الحديث أن أبا بكر -رضي الله عنه- قال: علمني يا رسول الله دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت... إلى آخره كما هو معروف. أي: اعترف بأنك ظلمت نفسك. وظلم النفس لا يخرج الإنسان من الإيمان، فإن أبا بكر -رضي الله عنه- أقوى الصحابة أو من أقواهم إيمانا، ومع ذلك يعترف بأنه ظلم نفسه.
وكذلك ما ذكر الله عن يونس صاحب الحوت، اعترف وهو في بطن الحوت بقوله: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .
ومعلوم أن ظلمه لم يخرجه عن الكفر ولا عن الشرك، وإنما هرب لما غاضبه قومه ولم يؤمنوا، فاعترف بأنه من الظالمين ولم يكن ظلما يخرجه من الملة.
ولما نزلت هذه الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ خاف الصحابة أن المراد ظلم النفس، أو ظلم بعضهم لبعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، أن هذا يصيرهم غير مهتدين ولا آمنين، فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الآية يراد بها الظلم الأكبر، الظلم الأكبر الذي هو الشرك بالله؛ لأنهم قالوا: هذه الآية نص في أنه لا يكون مهتديا آمنا إلا من ليس بظالم الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا أي: لم يخلطوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ يعني: بنوع من الظلم. ظنوا أنه يدخل في ذلك ظلم الإنسان نفسه بنقصه في حقها أو ظلمه لأخيه أو ظلمه لغيره، فالله تعالى لا يظلمهم.
وقد قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا سماهم مؤمنين مع كونهم يتقاتلون، وبكل حال فإن الظلم يتفاوت: ظلم دون ظلم؛ ظلم يخرج من الملة وهو الشرك أو الكفر وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ وظلم لا يخرج من الملة، ولكنه بلا شك ينقص الدين وينقص الإسلام، فكما أن الطاعات تزيد في الإيمان وتقويه، فكذلك المعاصي ولو كانت من الصغائر تنقص الإسلام وتضعفه، فلا يكون الإنسان كامل الإيمان إلا إذا كان مكملا لجميع خصال الخير وشعب الإيمان.