لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
42799 مشاهدة
باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان

قال -رحمه الله تعالى-
باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان.
حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار .


أتى به هاهنا؛ لدلالته على أن الكراهية من شُعب الإيمان ومن خصاله؛ مع أنها عمل قلب، فكراهة الكفر والصبر على الإحراق في النار في الدنيا، والصبر على العذاب في ذات الله تعالى من خصال الإيمان. قد ذكرنا أمثلة لذلك، فالصحابة -رضي الله عنهم- لما أسلم كثير منهم بمكة صبروا على العذاب، وصبروا على الأذى، وكرهوا أن يعودوا في الكفر؛ وذلك لقوة الإيمان الذي في قلوبهم؛ حملهم على أن يصبروا على الأذى في ذات الله تعالى.
وكذلك ما ذُكر من الأمم السابقة، ذكر في قصة إبراهيم أنه صبر على النار؛ لما أنه هدده قومه، وقالوا: حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ أوقدوا النار الكبيرة، ولم يقل: سوف أترككم، ولا أتعرض لكم؛ بل صبر على أن قذفوه في النار؛ ولكن جعلها الله تعالى عليه بردا وسلاما.
وكذلك ما ذكر من أن سحرة فرعون لما أنهم عرفوا الحق قال تعالى: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ فهددهم فرعون وقال: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ فما صدهم ذلك عن الإيمان، صبروا على أن قطع أيديهم وأرجلهم، وعذبهم وقتلهم، وما ردهم ذلك كله عن الإيمان.
فكل ذلك.. دليل على أن الإيمان إذا امتلأ به القلب؛ فإنه يثبت ويرسخ، ولا يتردد ولا يضمحل. هذا كراهة الكفر، والصبر على الأذى من الإيمان.
وكذلك كراهة المعاصي؛ ولو كانت لذيذة عند النفس، ذكرنا ما روي عن بعض السلف أنه قيل له: متى أحب ربي؟
قال: إذا كان ما يكرهه أمرّ عندك من الصبر، يعني إذا كانت المعاصي مُرة المذاق عندك؛ ولو كانت النفس تشتهيها؛ ولكن ينفر منها قلبك؛ لأنك تعلم أن الله تعالى حرَّمها، قد تستحلي النفس بعض المعاصي، وتميل إليها، وتندفع إليها، تندفع مثلا إلى حلاوة الفواحش كالزنا ونحوه والغناء وشرب الخمر وما أشبهها؛ ولكن إذا علم التقي المؤمن أن الله تعالى حرم ذلك أبغضه واستقبحه ونفر منه وعصى نفسه الأمارة بالسوء وابتعد عن كل شيء يقربه من سخط الله تعالى ويقربه من النار؛ لأنه يحب ما يحبه الله تعالى له، ويكره ما يكرهه الله له.
فإذا كانت المعاصي مُرة المذاق عند الإنسان عند المؤمن؛ مع أنها مشتهاة طبعا، فكذلك الطاعات تكون لذيذة في قلب المؤمن؛ ولو كانت ثقيلة؛ ولهذا فإن المؤمنين الأتقياء هانت عليهم الدنيا، هانت ورخصت عندهم أنفسهم، فتعرضوا للقتل في سبيل الله، وهانت ورخصت عندهم أموالهم فأنفقوها في سبيل الله؛ وذلك لأنهم علموا أن الله تعالى يرضى عنهم بذلك. فهذا وجه أنَّ من كره الكفر كما يكره أن يقذف في النار، كان ذلك دليلا على أنه يحب الإيمان، من كره الكفر أحب الإيمان، من كره المعصية أحب الطاعة، من كره الشر أحب الخير، والخير هو ما جاءت به الشريعة؛ ولو كان خلاف ما تهواه النفس أو تميل إليه.