إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
40438 مشاهدة
باب من قال إن الإيمان هو العمل

قال -رحمه الله تعالى-
باب من قال: إن الإيمان هو العمل؛ لقول الله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ عن لا له إلا الله وقال: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ .
حدثنا أحمد بن يونس وموسى بن إسماعيل قالا حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور .


وهكذا استنبط البخاري -رحمه الله- من هذه الآيات أن الأعمال يدخل فيها الإيمان، وأن قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وقوله: بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ يدخل فيها جميع الأعمال، ومن جملتها أعمال القلب، يعني أن الإنسان يثاب على عمل القلب، ومنه: خوف الله، فأعمال قلب، ورجاؤه ومحبته والتوكل عليه، هذه من أعمال القلوب، فيثيبه الله، يدخل ذلك في هذه الآية ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وفي قوله تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ أي بما عملتم. ولا يخالف ذلك ما جاء في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمته فإن المراد أن عمله لا يكون السبب الوحيد في دخول الجنة؛ ولكن ذلك بفضل الله تعالى عليه، فإن فضل الله عليه كبير؛ حيث إنه الذي هداه، وأقبل بقلبه؛ وحيث إنه الذي أعانه على ذكره فهو يقول: أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، فالفضل من الله تعالى في أنه منَّ عليك وهداك وأنه أقبل بقلبك على طاعته؛ ولكن لا شك أن العمل يضاف إلى عامله –يعني- ينسب إليه، فيقال: هذه أعمالك، هذه صلواتك وزكواتك وصدقاتك، وهي التي قدمتها لآخرتك، فتكون من الأسباب في دخولك الجنة، كما أن الأعمال السيئة أيضا أسباب في دخول أصحابها النار.
فالعمل الذي يعمله الإنسان يضاف إليه؛ ولكن الأصل أنه منة من الله تعالى وفضل منه وتوفيق، إذا شكر العبد ربه فإن هذا الشكر يعتبر نعمة من الله تعالى فهو الذي أنعم عليك وهو الذي وفقك للشكر، يقول بعضهم:
إذا كـان شكـر نعمـة الله نعمـة
عليَّ لـه في مثلهـا يجـب الشكر
فكـيف بلـوغ الشكـر إلا بفضلـه
وإن طـالت الأيـام واتصل العـمر
إذا مس بالسـراء عـم سـرورها
وإن مس بالضـراء يعقبـها الأجر
ففي هذا أن الله تعالى هو المتفضل على عبده، وله النعمة عليه؛ ولكنه أعطاه قوة وقدرة يزاول بها الأعمال، وتنسب الأعمال إليه خيرها وشرها.
كذلك أيضا الأقوال التي يسأل عنها يوم القيامة هي منسوبة إليه يسأل عن قول: لا إله إلا الله هل عمل بها وطبقها وهل قالها عن عقيدة فدل ذلك على أن من جملة ما يعمل وينسب إليه التوحيد الذي هو قول: لا إله إلا الله.
كذلك أيضا جاء هذا الحديث الذي فيه تفاضل الأعمال، فيه أن رسول -صلى الله عليه وسلم- سئل أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور جعل هذه كلها من الأعمال، أيّ العمل أفضل؟ وقد تقدم أنه -صلى الله عليه وسلم- أجاب غيره بأجوبة أخرى، أو أنه –مثلا- يجيب كل إنسان بما يناسب حاله، سأله رجل: أي العمل أفضل؟ فقال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف لماذا أجاب ذلك بهذه الأعمال وذكر أنها أفضل من غيرها؟ لأجل أن ينفق ذلك الرجل، وكأنه لاحظ أنه قليل الإنفاق، فقال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وأما هاهنا فإنه لما سئل أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله. فجعل الإيمان الذي هو عمل القلب أفضل الأعمال، ثم جعل بعده الجهاد، ثم جعل بعده الحج، وجعلها كلها من العمل.
فدل على أن العمل يدخل فيه عمل القلب، وعمل البدن.
فالإيمان بالله عمل قلب؛ ولكنها تدخل فيه أعمال البدن؛ لأن الأعمال من مسمى الإيمان، فجعله أفضلها؛ وذلك لأن رسوخه في القلب ينبعث عنه جميع الأعمال البدنية والقولية، وأما الجهاد فإنه نوع من أنواع العمل. الجهاد في سبيل الله عمل بدني، ولا شك أنه ينتج منه خير، وقتال الكفار على الإسلام؛ بحيث إنهم إذا دخلوا في الإسلام ينتصر المسلمون ويكونون أقوياء، فيذل أعداؤهم. فجعله في المرتبة الثانية بعد إيمان القلب، وجعل الحج المبرور في المرتبة الثالثة؛ وذلك لأنه –أيضا- في سبيل الله.
فالحاصل أن في هذا دليلا على تفاوت الأعمال، وكثرة ثوابها.
نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على محمد .
أسئـلة
س: يقول السائل: عندما يشتري الرجل السلعة مثلا بخمسين ريالا، فيعطي البائع مائة، ولا يكون عند البائع الباقي، فيقول: ارجع إلي غدا أعطيك الباقي، هل هذا صحيح؟
صحيح ذلك؛ لأنها عملة واحدة وليست صرفا، لا يسمى هذا صرفا إذا كان بجنس من جنسه؛ لأن هذه الفئات فئة خمسين وفئة مائة وفئة مائتين كلها نوع واحد ونقد واحد لا تفاوت بينها، أنت مثلا إذا اشتريت خمسا من الغنم كل واحدة بخمسمائة أعطيته ثمن واحدة، ورقة واحدة خمسمائة، وثمن الأخرى أعطيته ورقتين من فئة المائتين، وورقة من فئة المائة، والبقية أعطيته من جنس ذلك فإنه لا يرد ذلك.
أما الذي لا يجوز التفرق قبل التقابض فيه فإنه إذا اختلفت العملة، إذا كان مثلا صرفت ريالات سعودية بريالات يمنية أو قطرية فلا بد من التقابض قبل التفرق أو مثلا بدولارات أمريكية أو جنيهات مصرية فلا بد من التقابض قبل التفرق.
س: يقول السائل: ما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يحل بيع وصرف ؟
كأنه يقول: إنه لا يجوز أن يشترط ذلك؛ لأنه قد يكون فيه غبن لأحدهما، وصورة ذلك: إذا قال: لا أبيعك هذه الشاة بخمسمائة إلا إذا صرفت لي هذا الجنيه بسبعمائة، فإنه قد يكون محتاجا للشاة، وقد يتضرر بصرف الجنيه.
وهكذا مثلا صرف النقود بغيرها، لا أبيعك مثلا هذا الثوب بخمسين إلا إذا صرفت لي هذه العشرة أو هذه المائة بدولارات بسعر كذا وكذا قد يكون هذا فيه غبن لأحدهما.
س: يقول: سحب النقود بالبطاقة خارج المملكة من الصراف بعملة البلد الذي أنت فيها بحيث لا ينزل المبلغ من رصيد الساحب إلا بعد فترة فهل هذا صحيح؟
في هذه الحالة الأولى بالصارف إذا كنت مثلا في هذه البلدة والعملة الريال السعودي فإنك تذهب إلى أحد الفروع في هذا البلد فروع أحد البنوك التي مثلا في مصر لها فروع أو في سوريا أو في السودان أو نحو ذلك، ثم تقول لهم: معي عشرة آلاف حوِّلوها إلى السودان أو إلى المغرب يعني إلى دولة أخرى، ويعطونك بها سندا أن عندنا لك عشرة آلاف ريال سعودي أية فرع من فروعنا يعطيكها أو يعطيك بدلها، فجئت مثلا إلى فرعهم في سوريا وعملتهم تسمى ليرة، أو جئت إليهم إلى فرعهم في مصر وعملتهم تسمى جنيها أو جئت إليهم مثلا إلى فرعهم في الكويت وعملتهم تسمى دينارا فإنك تقول: أعطوني عشرة آلاف ريال سعودي هذا سندي، فيقولون: ليس عندنا إلا عملتنا فتقول: أعطوني بها ما تساوي فيصرفونها لك ويسمى صرفا بعين وذمة، العين الذي يدفعونها لك، والذمة التي يلتزمون بها؛ لأن في ذمتنا لك عشرة آلاف قيمتها مثلا ألف بالدينار الكويتي خذ الألف عنها والتسليم يكون يدا بيد فأما الأخذ من الصراف فيكون ذلك بعدما تعرف قيمتها اتصلت مثلا بهم فقالوا عندنا لك مثلا عشرة آلاف ريال قيمتها مثلا عشرة آلاف جنيه ومائة أو تسعة آلاف وتسعمائة أو نحو ذلك فإنك تأخذ هذا المقدار، كأنهم يقولون: هذا الذي عندنا لك إن شئت أعطيناك وإن شئت أخذته من الصراف.
س: هنا يشير إلى مسألة تقع في البنوك، وهو أنهم عند مراجعة البنك لتحويل مبلغ يعتبر بالريال السعودي مثلا ألف حتى يحصل على ثلاثمائة دولار مثلا فهو يدفع الألف ويعطونه ورقة فيها ثلاثمائة دولار يتسلمها من إندونيسيا مثلا ما حكمها؟
نرى أن هذا لا يصلح لأن من شرط الصرف التقابض كونهم أعطوه هذه الورقة هذا ليس فيه قبض في هذه الحالة يعطونه الثلاثمائة ثم يردها عليهم فيقول حولوها لي في بلدة كذا وكذا في دولة كذا وكذا ويكون كما لو جاء بالدولارات وقال حولوها لي في دولة ليبيا أو تونس أو نحو ذلك فيستلمها هناك ثلاثمائة فأما إذا قالوا: صرفناها؛ ولكن لا نسلمها لك، ما عندنا الآن دولارات، توجد الدولارات في فرعنا في ليبيا أو نحوه فهذا غير صحيح؛ لأنه ما حصل التقابض؛ لكن في هذه الحال يقولون: عندنا لك عشرة آلاف ريال سعودي وصرفها هناك بالدولار الآن ثلاثة آلاف مثلا أو ثلاثة آلاف وثلاثمائة ارحل واصرفها بعين وذمة فيذهب إلى فرعهم هناك فيقول عندكم لي عشرة آلاف هذا سندهم فيقولون: قيمتها الآن ثلاثة آلاف، خذ ثلاثة آلاف أو ما أشبه ذلك.
س: هذا السائل يقول: ما حكم شراء الذهب بالبطاقة؟
ما يجوز؛ لكن يجوز بالشيك، إذا كان له رصيد، مثلا دخلت ومعك شيك وتريد أن تشتري مثلا بخمسين ألف ذهبا وتخشى أن تحملها معك تخشى من اللصوص ونحوهم في هذه الحال تأتي إلى صاحب الذهب وتشتري منه بخمسين ألف وتعطيه شيكا وتحوله بالثمن على رصيدك.
س: البطاقة مثل الشيك؛ لأنها تنزل من الحساب مباشرة؟
يمكن إذا كان أنه استلم هذه البطاقة، لكن يعني البطاقة قد يعني يتفاوت ما فيها.
س: في الأحاديث التي مرت بنا أو التي سمعناها منك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة في الوصال بالصوم: لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ما هذا الإطعام حقيقة أم مجاز؟
قيل: إنه يؤتى في الليل بطعام وشراب من الجنة حقيقي هكذا قاله بعضهم؛ ولكن صحح كثير من المحققين كابن رجب في اللطائف أنه طعام معنوي وليس هو حسيا يعني ليس هو أكل وشرب؛ وإنما هو ما يفتح الله تعالى عليه من المعارف وما يرد عليه من الواردات التي تقوم مقام الطعام والشراب، وأنشد قول الشاعر:
لهـا أحاديث من ذكـراك تشغلـها
عن الشـراب وتلهيـها عـن الـزاد
يعني أن هذه الأنوار والمعارف والواردات التي ترد على قلبه تكفيه عن الطعام والشراب.
س: يقول السائل: كونا أنا وجماعة صندوقا خيريا بحيث يدفع كل شخص مائة ريال سنويا من أجل المشاركة مع أفراد القبيلة لو طلبت دية عامة، المبلغ الآن له عندي ثلاث سنوات ولم يدفع شيء منه يعني لم ينقص فهل في هذا المبلغ زكاة؟
إذا كان المبلغ لأشخاص معينين؛ فإنه فيه زكاة، وأما إذا كانوا تبرعوا به وقالوا في أعمال الخير أي لا يرجع إلينا، بل يرجع إلى غيرنا من المستحقين والمدينين مثلا فإنه يكون صدقة لا زكاة فيه.
س: يقول السائل: عندما أصلي أحس أنه خرج مني مثل الريح يعني أتوهم لأنني لا أحس به، فهل علي شيء؟ وصلاتي التي قد صليتها صحيحة أم يجب علي إعادتها؟
لا تلتفت إلى هذا، يحدث هذا كثيراً بسبب بعض الوساوس، شُكِي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا فدل على أنه قد يبتلى بهذه الوساوس وتسمى القراقر فلا يلتفت إليها.