إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
shape
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
70476 مشاهدة print word pdf
line-top
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصراط


بعد ذلك ذكر الصراط، والصراط: حق يجوزه العباد بقدر أعمالهم؛ فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم وقوم أوبقتهم فيه أعمالهم، الصراط جاء في بعض الأحاديث: أنه جسر منصوب على متن جهنم يمر الناس عليه بأعمالهم ؛ جسر يعني: مثل الجسر الذي على النهر الذي يمشون عليه حتى يقطعوا به ماء النهر أو البحر من هنا إلى هنا، هذا الجسر منصوب على متن جهنم على أصلها وعلى فرعها؛ يمر الناس عليه بأعمالهم؛ يمرون عليه، ورد في بعض الروايات صفته، وإن كان فيها شيء بعض المبالغة، وورد أنه أدق من الشعر، أدق من الشعرة وأحد من السيف، وأحر من الجمر، وأدق من الشعر- والله أعلم بذلك- ومع ذلك يمشون عليه، ومنهم من يمر كالبرق- بسرعة البرق- ما هي؟ يعني: أنه يشع من هنا إلى هنا في لحظة، منهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، يعني: كمرور الريح، يعني: مرور الرياح التي تسير بسرعة –سريعة- منهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل والركاب يعني: كالفرس الجواد أو كالبعير الجواد، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ماذا يكون هذا الذي يزحف زحفا؟ متى يقطع هذه المسافة؟ وعلى جانبتي الصراط كلاليب، الكلوب: هو الحديدة المحددة التي رأسها محدد، والتي معقوف رأسها، يقول: إنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يقدر قدرها إلا الله –تعالى- تخطف من أمرت بخطفه؛ فناج مسلم، ومخدوش ومكربس في النار.
الذين يمرون عليها كالبرق، لاشك أن الله -تعالى- قواهم؛ فهم يسرعون عليها مرورا سريعا، وكذلك الذين يمرون كالريح وغيره، هؤلاء أيضا ممن ينجون.
فنؤمن بهذا الصراط، أن الناس يمرون عليه، وقد فسر بذلك قول الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا يعني: الورود الذي ذكر في القرآن: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا يعني: وارد لهذه النار.
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ينجي: الله -تعالى- المتقين فيجوزون بسهولة.
إذا دخلوا الجنة قالوا: أخبرنا الله -تعالى- بأننا نرد النار، فأين هي؟ فيقولون: إنكم مررتم بها على الصراط، وهى خامدة، وفي بعض الرويات أنها تقول للمؤمن: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، يعني: تجاوز فيتجاوز ولا يحس بها ولا يحس بحرارتها، جز يا مؤمن قد أطفأ نورك لهبي، كل ذلك دليل على أن الله -تعالى- رأف بعباده وأنه نجاهم.
أما هذه الكلاليب فإنها تتعلق بأحدهم فتخطفه -بإذن الله- فيسقط في النار، تخطف من أمرت بخطفه.
نؤمن بهذا الصراط، يقولون: إن الله -تعالى- نصب صراطا في الدنيا في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وأن الناس يسيرون عليه بأعمالهم.

فمن سار عليه بعمله إلى أن أتاه أجله، وتمسك به؛ سار على الصراط الأخروي سيرا سريعا ونجا منه، ومن كان سيره على هذا الصراط بطيئا أو بعيدًا عن التمسك به؛ صار سيره على ذلك الصراط بطيئًا.

line-bottom