تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
shape
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
70462 مشاهدة print word pdf
line-top
القرآن كلام الله تعالى والرد على من أنكر ذلك


ثم يقول: وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد. وهذه مسألة عظيمة: مسألة القرآن، وهي التي امتحن فيها الأئمة؛ لما أن المعتزلة استولوا على الخليفة المأمون ولقنوه عقيدتهم عند ذلك، زينوا له أن يمتحن العلماء من أهل الحديث، وأن يعذبهم ليقولوا: إن القرآن مخلوق ولا يقولوا: إنه كلام الله فامتحن كثير من العلماء، وأوذوا ووافق بعضهم على أنه مخلوق، وادعوا أنهم مكرهون ومنهم: يحيى بن معين وغيره، ولما جاء دور الإمام أحمد صبر على الامتحان، وتصلب في ذلك، وثبت على أنه كلام الله تعالى، وضربوه ولكن ما تزحزح عن ذلك، ويقول عند الضرب؛ يقول: - يعني من شدة الضرب، ومن شدة الأذى - لا أرجع ولا أوافقكم:
ويقـول عند الضرب: لست بتابـع
يـا ويحـكم لكـم بـلا برهـان
أتـرون أني خائف مـن ضربكـم؟!
لا والإلــه الواحــد المنــان
فصبر على الضرب وعلى الأذى جاءوا إليه بعض أصحابه، وقالوا: وافقهم وأنت على ما أنت عليه حتى تتخلص؛ لأنه مكث في السجن نحو ثلاث سنين أو أكثر، وضرب أكثر من مائتي جلدة أو ثلاثمائة جلدة ضربا شديدا؛ حتى تمزقت ثيابه، وحتى تمزق جلده، ولكن الله تعالى ثبته حتى أغمي عليه، ومع ذلك صبر، لماذا؟ لما قيل له: وافق على ذلك، قال: ويحك اذهب فانظر من حول هذا القصر؟ ذهبوا فوجدوا حوله عشرات ومئات وألوف من الناس معهم محابرهم، ماذا تريدون؟
قالوا: نريد أن نكتب ما يقوله الإمام أحمد يقول: لو قلت: إنه مخلوق لكان هؤلاء الألوف يضلون بسببي؛ فلأجل ذلك صبر على هذا الأذى، وصبر على هذا التعذيب، لا شك أن هذا دليل على أنه عرف الحق وصبر عليه.
المعتزلة لهم شبهات؛ تجدون بعض شبهاتهم في شرح الطحاوية، استدلوا بمثل قوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ والقرآن شيء، فنقول: إنه من صفات الله تعالى وصفات الله ليست بمخلوقة، فلا يجوز لكم أن تجعلوا شيئا من صفاته مخلوقا ولا حادثا؛ فهو صفة من صفات الله.
وكذلك أيضا يستدلون بقوله: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا فيقولون: جعل بمعنى خلق، ويستدلون بقوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ وأهل السنة يقولون: جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا يعني: صيرناه، والجعل ليس هو الخلق بل هو التصيير، ومنه قوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا فليس معنى جعلوا خلقوا .
من المعتزلة الزمخشري صاحب التفسير الذي هو الكشاف ذكر بعض من ترجم له، لما كتب هذا التفسير، ابتدأه بقوله: الحمد لله الذي خلق القرآن، قالوا له: إنك بذلك تنفر الناس عن قراءته، فعند ذلك غيره إلي جعل القرآن؛ فالحاصل أن المعتزلة هم الذين يقولون: إن القرآن مخلوق، والمخلوق يموت.
ذُكر أن الإمام أحمد في آخر محنته لما جيء إليه ماذا رأيت؟ فقال: إني رأيت في المنام أني قمت أي لأقرأ، فقرأت في الركعة الأولى سورة الفلق، ثم قمت لأقرأ في الثانية، أردت أن أقرأ سورة الناس، فلم أقدر فنظرت فوقي، وإذا القرآن ميت فكفنته وصليت عليه ودفنته، فقال له الحاضرون: هذا خرافة، القرآن يموت؟!! فقال: أنتم الذين تقولون: إنه يموت، تقولون: إن القرآن مخلوق، وكل مخلوق يموت، فبهتوا لذلك.
فيقول المؤلف هاهنا: إنه ليس بمخلوق فيبيد، يعني: فيفنى ولا صفة لمخلوق فينفد، لأنه لو كان صفة لمخلوق لنفد كما ينفد الخلق.

line-bottom