لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
درس الآداب والأخلاق الشرعية
6160 مشاهدة
النهي عن الغش في المعاملات

وهكذا أيضا النصح في المعاملة عندما نهانا مثلا عن الغش في المعاملات، لماذا؟ لأنه إذا عرف أنك غششته في المعاملة حقد عليك وأضمر لك بغضا، إذا رأى مثلا أنك زدت عليه في السلع، أو رأى أنك أخفيت عنه عيبا، أو غررت به في العيب؛ لأجل ذلك نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بيع الغرر، عن الغرر في البيع؛ وذلك لأنه يسبب أن المغرور يسيء الظن بذلك الذي خدعه وغره، فيحدث بينهما عداوة وشنآن وبغض وحقد.
وهكذا النهي عن بيع الأشياء المجهولة كبيع الشيء الخفي، أو بيع حبل الحبلة، أو ضربة الغائص، أو بيع ما لم يقسم أو ما أشبه ذلك. كل ذلك لأجل ألا يقع المسلم في شيء وهو لم يقصده فيصبح مغرورا ويصبح مغبونا، فيضمر عداوة لأخيه الذي خدعه وباعه هذا البيع الغرر.
لا شك أن ذلك كله من الأسباب التي تبين أن الإسلام يهدف إلى جمع الكلمة، يهدف إلى أن المسلمين يصيرون مجتمعين متحابين ليس بينهم شيء من الضغائن ولا العداوات ولا البغضاء ونحو ذلك. فإذا لم يفعلوا ذلك نقص حظهم من الإيمان، وزادت العداوة بينهم، وقل تماسكهم، كلما كان المسلمون متماسكين يعني: كلمتهم واحدة. قويت كلمتهم.
إذا كان علماء الأمة وعامتهم وطلبتهم وصغارهم وكبارهم كلهم على عقيدة واحدة، وكلهم على هدف واحد، وكلهم على طريقة واحدة، يقدر بعضهم بعضا، ويوقر بعضهم بعضا، ولا يحقد بعضهم على بعض، ليس بينهم أية ضغينة، وليس بينهم أية حقد ولا بغضاء ولا شحناء ولا عداوة، فماذا تكون حالتهم؟ حالة حسنة، تكون حالتهم أنهم يتبادلون النصيحة، وأنهم مع ذلك يتعاونون على الخير، ويتعاونون على تنفيذ أوامر الله -سبحانه وتعالى-.
معلوم أن علماء هذه البلاد -والحمد لله- وكذلك طلابها وكذلك عبادها كلهم -والحمد لله- على عقيدة التوحيد التي هي: إخلاص العبادة لله –سبحانه- واتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- اتباعه فيما بلغه وفيما جاء عنه، وأنهم على عقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات، ليس بينهم اختلاف فيما يظهر -والحمد لله- وأنهم على عقيدة واحدة في الإيمان وفي القرآن وفي الأوامر والنواهي وفي محبة الصحابة وأهل البيت وغيرهم. كل ذلك عقيدتهم -والحمد لله- واحدة.
وإذا كان كذلك فلماذا هذا التخاذل؟ ولماذا هذا التخالف؟ ولماذا هذا التحاسد؟ وهذا التضاد؟ وهذا الاضطراب؟ الذي يلاحظ من بعض لبعض. لا شك أن هذا –أنه- مكيدة من أعداء الله، مكيدة من أعداء الإسلام، يريدون أن يفرقوا بين علماء أهل السنة، فإذا افترقت كلمتهم وتضادت وصار كل منهم له وجهة خاصة وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا وكل منهم له حزب وطريقة خاصة تفرقت حينئذ كلمتهم، ولم يبق لهم شوكة ولم يبق لهم معنوية، فكان ذلك سببا لضعفهم وعدم تنفيذهم للأوامر التي يريدون تنفيذها.
نحن نُحَسِّن الظن -والحمد لله- بعلمائنا وكذلك بعبادنا وكذلك بطلابنا وشبابنا، كلهم -والحمد لله- نحسن الظن بهم، نعرف أنهم مخلصون -إن شاء الله- في طلب العلم، ومخلصون أيضا في العبادة في عبادتهم، لا يريدون بطلب العلم إلا التفقه في الدين والعمل والدعوة إليه، ولا يريدون أيضا بالعمل إلا وجه الله والدار الآخرة. هذا هو ظننا، وهو -إن شاء الله- موافق للصواب في جميع من نعرفه من العلماء والعباد هذا هو الصواب فيهم.
فإذا تأدبنا بالآداب الشرعية التي أدبنا بها الإسلام زالت عنا هذه المخالفات وهذه الاضطرابات التي نسمعها أو تحدث كثيرا في هذه البلاد، إذا زالت -والحمد لله- وأصبح المسلمون إخوة واحدة، كما أمرهم الله تعالى بقوله: فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا فإنهم يجتمعون على تنفيذ أوامر الله.