شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
الرد على ابن حزم
6648 مشاهدة
ابن حزم يذم القياس والمجتهدين

واعلم أن العلماء في هذا المحل يعيبون القياس، ويذمون الرأي، ويقولون: إن من قاس فقد اتبع إبليس؛ لأنه أول ما رد النصوص بالقياس، وعن ابن سيرين -رحمه الله- ما وجدت .. إلا بالقياس، ويكثر في كلام السلف ذم الرأي والقياس.
ومن أشنع من يحمل على المجتهدين في القياس الظاهرية وبالأخص أبو محمد ابن حزم -عفا الله عنا وعنه- فإنه حمل على أئمة الهدى -رحمهم الله- وشنع عليهم تشنيعا عظيما، وسخر منهم سخرية لا تليق به ولا بهم، وجزم بأن كل من اجتهد بشيء لم يكن منصوصا في كتاب الله أو سنة نبيه بأنه ضال، وأنه مشرع.
وحمل على الأئمة، وسخر من قياساتهم، وجاء بقياسات كثيرة للأئمة، وسفهها، وسخر من أهلها، فتارة يسخر من أبي حنيفة -رحمه الله- وتارة من مالك وتارة من أحمد وتارة من الشافعي .
لم يسلم منه أحد منهم في قياساتهم.
ومن عرف الحق عرف الأئمة -رحمهم الله- أنهم أولى بالصواب من ابن حزم وأن ما شنع عليهم فهم أولى بالصواب منه، وأنه هو حمل عليهم وهم أولى بالخير منه، وأعلم بالدين منه، وأعمق فهما لنصوص الكتاب والسنة منه.
وهذا باب كثير فابن حزم يقول: لا يجوز اجتهاد كائن ما كان، ولا يجوز أن يتكلم في حكم إلا تبعا لنص من كتاب أو سنة.
أما من دعا بشيء لم يكن منصوصا في الكتاب ولا السنة فهو مشرع ضال، ويزعم أن ما ألحقه الأئمة من الأحكام المسكوت عنها، واستنبطوها من المنطوقات أن كل ذلك ضلال، ويستدل بعشرات الآيات إن لم تكن مئات الآيات فلا أقل من عشرات الآيات يقول الله قال: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ والمقاييس لم تنزل علينا من ربنا.
ويقول: قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي فجعل الهدى بخصوص الوحي لا بخصوص المقاييس.
ويقول: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ والمقاييس لم تكن مما أنزل الله، ويقول: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ والقياس لم يكن مما أنزل الله.
ويأتي بنحو الآيات من هذا بشيء كثير جدا، ويقول: إن القياس لا يفيد إلا الظن، والله يقول: إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا .
وفي الحديث: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ويقول: إن كل ما لم يأت في نص من كتاب أو سنة لا يجوز البحث عنه ذلك أن الله حرم أشياء، وأحل أشياء، وسكت عن أشياء لا نسيانا رحمة بكم فلا تسألوا عنها ، وفي حديث: ما سكت الله عنه فهو عفو .
ويقول: إن ما لم يأت في كتاب ولا سنة فالبحث عنه حرام، وهو معفو لا مؤاخذة فيه... كما قال: فنحن مثلا وجب علينا صوم شهر واحد من السنة وهو رمضان، وسكت الوحي عن إيجاب شهر آخر فلم يجب علينا إلا هذا؛ لأن ما سكت عنه فهو عفو.
ووجبت علينا الصلوات، وغيرها لم يكن علينا، وإن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ضمام بن ثعلبة قال: لا، لما طالبه الأعرابي ضمام هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع أما إنها توجد أشياء لا يمكن أن تكون عفوا، ولا بد من النظر فيها والاجتهاد.