تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
الحج منافعه وآثاره
10694 مشاهدة
رابعا : منافع محظورات الإحرام

معلوم أن المحرم عندما يتلبس بالإحرام يتجنب التنعم والرفاهية, ويتجنب الأشياء التي يتنعم بها قبل الإحرام؛ وذلك دليل على أنه يجب أن يظهر في مظهر المسكنة, وفي مظهر الضعف, وفي مظهر الاستكانة لربه حتى يتقبل منه عبادته.
* فمن محظورات الإحرام التي يجب على المحرم تجنبها تغطية الرأس.
لماذا يكشف المحرم رأسه ولا يغطيه؟
لأن هذا دليل الخشوع, ودليل الذل.
والمنفعة من كشف الرأس هو كونه يشعر بأنه ذليل, لأن ستر الرأس من الجمال, فعادة ما يتجمل الإنسان بستر رأسه, أو يستظل من حرارة الشمس بالعمامة ونحوها, ولكن كونه يكشف رأسه في هذا الإحرام ليشعر بأنه ذليل لربه, وأن هذا غاية الافتقار إليه.
* ومن محظورات الإحرام التي يلزم المحرم تركها, الطيب.
فلماذا يتجنب المحرم الطيب فلا يتطيب في بدنه, ولا في لباسه؛ مع أن الطيب شيء محبوب للنفس؟!
ذلك ليبعد عنها شهوات النفس. والمنفعة في تجنب الطيب كونه يشعر من نفسه بأنها ذليلة مطيعة, وبأنه فطم نفسه عن ملذات تلذ بها, وشهوات تميل إليها؛ لأجل ذلك يتجنب الطيب.
والنفس إذا أعطيت شهواتها مالت إلى البطالة ومالت إلى المعصية, فإذا فطمت عن شيء من شهواتها وملذاتها استمرت على الطاعة؛ ولذلك يقول بعضهم :
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت

فهذا من أسباب كون الإنسان يفطم نفسه عن شيء من ملذاتها؛ فاللباس الجميل من ملذاتها, وتغطية الرأس بالستر الجميل من ملذاتها, واستعمال الطيب الذي له رائحة زكية من ملذاتها؛ كل ذلك يتركه المحرم تعبدا لله سبحانه وتعالى، ليشعر نفسه أنها ذليلة, صغيرة مهينة, فعند ذلك يتواضع لربه, ويخضع له, ويسأله ويكثر من سؤاله, ويرفع إليه أكف الضراعة, ويشعر بحاجته وفاقته إلى ربه بكل حالاته.
كل ذلك من الأسباب والمنافع التي في هذه الأشياء التي يفعلها المحرم.
* والمحرم أيضا يتجنب من المحظورات قص الشعر, وتقليم الأظفار؛ وهذا أيضا مما يتجمل به, فمن المعلوم عادة أنه إذا قلم الإنسان أظفاره وجد لها راحة ولذة, وكذلك إذا طال شعره فقص شيئا من شعر رأسه, أو من شعر وجهه كشارب أو نحوه, وجد لذلك راحة ولذة, ولكن المحرم منهيٌّ عن كل ذلك؛ فمنهي عن أخذ شيء من هذا الشعر, ومن هذا الظفر؛ لأن أخذ ذلك تنعم, فهو يبتعد عن هذا التنعم, وعن الأشياء التي فيها شيء من التنعم والتلذذ؛ حتى يشعر بالفقر وبالفاقة, وبالحاجة إلى الله سبحانه وتعالى.
والمحرم يتجنب أيضا ما يتعلق بالرفث؛ قال تعالى : فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ فيتجنب ما يتعلق بالنساء, فلا يعقد نكاحا, ولا يخطب ولا يكون وليا في عقد النكاح, ولا يكون زوجا يعني في عقد النكاح ولا واسطا. كذلك أيضا يتجنب شهوات النساء؛ فلا يقبل امرأته, ولا يطؤها ; بل إن ذلك يفسد نسكه.
لماذا منع المحرم من ذلك؟!
لأن هذه مما تميل إليها النفس وتشتهيها؛ فإذا تركها لله سبحانه وتعالى شعرت نفسه بالصغار, وشعرت نفسه بالانكسار, ومتى انكسرت نفسه, وانكسر قلبه, وتواضع لربه, أجاب الله تعالى دعوته التي يدعو بها في مناسكه.
ولذلك ورد في الحديث القدسي أن الله يقول: أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي فانكسار القلب, وانكسار الرأس, وتواضع النفس من أسبابه البعد عن المرفهات, والبعد عن الشهوات: شهوات النفس, وشهوات البطن, وشهوات الفرج, وشهوات العين, وشهوات الأذن.
فلأجل ذلك الحاج والمحرم يغض بصره؛ فلا ينظر إلى العورات, ولا إلى الشهوات التي تشغله, وكذلك يحفظ سمعه؛ فلا يستمع إلى الأغنيات, ولا إلى المطربات, وكذلك يحفظ لسانه؛ فلا يتكلم إلا بالكلام الحسن الذي هو ذكر وطاعة, ولا يتكلم باللغو ولا بالرفث الذي هو الساقط من القول, كل ذلك لترويض النفس على العبادة وتهذيبها على الطاعة وتحبيب العبادة إليها بحيث إن العبادة تكون لذيذة مشتهاة عنده, ولا يركن إلى شيء من الشهوات ولا يميل إليها.
هذا كله من أسباب كون المحرم يتجنب هذه المشتهيات وهذه الملذات ونحوها, فنعرف بذلك أن الله سبحانه ما شرع هذه المناسك إلا لمنافع عظيمة, وفوائد جمة.