إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
الأمانة
8424 مشاهدة
الأمانة فيما بين العبد وبين العباد

تشمل الأمانة فيما بينك وبين عباد الله، حقوق العباد وودائعهم التي يودعونكها، أو يأتمنونك عليها، سواء كانت أموالًا أو أعراضًا أو غيرها.
والخيانة من أعظم خصال المنافقين، كما في الحديث المشهور وهو قوله: آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمِن خان .
فجعل من خصال المنافق خيانة الأمانة أعني أنه إذا ائتمنه أحد لن يراعي هذا الائتمان، بل يخون ما ائتمن عليه من حقوق، كما في قوله -تعالى- فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ .
فبعض الناس قد يعطيك حقًّا من حقوقه، ولا يُشهد عليك، ولا يكتب عليك وثائق، تصديقًا منه لك وإحسانًا للظن بك، فعليك أن تراعي حقه، وأن تحذر كل الحذر أن تخونه متى ائتمنك.
فإذا اقترضت من إنسان مالًا، وكان هذا الإنسان واثقًا بك، مصدقًا لك، ولم يشهد على هذا الدين ولم يكتبه! فاعتبر هذه الأمانة هي المذكورة في قوله -تعالى- فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا يعني: ائتمنه على ماله، وعلى دينه، وعلى وديعته أو نحو ذلك، فليؤدِّ (أي: ذلك المؤتمَن) الأمانة إلى صاحبها.
وهي أيضًا المذكورة في قوله -تعالى- إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا قيل: إن هذه الآية نزلت في مفتاح الكعبة عندما أخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- من عثمان بن طلحة وكانت حجابة البيت لبني عبد الدار وهو منهم، فلما فتح الرسول مكة طلب المفتاح من عثمان فقال عثمان أمانة؟ قال: نعم! فلما أخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- طلبه منه العباس وقال: أعطني إياه حتى تضم إلي السقاية والسدانة؟ فأنزل الله الآية الكريمة.
وذلك لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم- قد أخذه من بني عبد الدار أمانة، فأمره الله أن يرده إليهم وجعل ذلك من أداء الحقوق التي هي حقوق الأقدمية؛ وذلك لأن لهم الأقدمية للسدانة وخدمة وحجابة هذا البيت، فاستحقوا أن يكونوا هم أهل الحجابة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ردّ عليهم تلك الأمانة.
والآية عامة في الأمانات، وإن نزلت في هذا خاصة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وعلى كل حال فإن الأمانات فيما بين العباد كثيرة، تدخل فيها الأسرار، وتدخل فيها الأموال، فإن ائتمنك إنسان على سر بأن أفضى إليك بكلام فيما بينه وبين نفسه، أو فيما بينه وبين أهله، وائتمنك عليه وحذرك من إفشائه، فإياك وإفشاءه؛ فإن ذلك من الأمانات؛ حيث إن هذا الإنسان قد وثق بك، ووثق بأنك لن تفشي سره، وهو بهذا قد ائتمنك، فلا تخنه في ذلك.
فإذا أفشى إنسان سرك الذي ائتمنته عليه، فلا تجزي صاحب الخيانة بمثلها، فإن هذا لا يجوز، فقد ورد ذلك عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعن الحسن بن سمرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تخُن من خانك .
فأمرك أن تؤدي الأمانة إلى كل إنسان ائتمنك على مال أودعه عندك، أو أقرضك إياه ولم يُشهد، أو أدانك ولم يكتب ولم يتوثق، أو أعطاك حقًّا من حقوقه وأمرك بحفظه، وهو الوديعة، أو ما أشبه ذلك، فهذه الأمانة بينك وبينه عليك أن تؤديها.
ولو خانك إنسان في دينك أو مالك أو عرضك، فلا تجازيه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمّد هذه الخيانة، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعاية وسببًا لبزوغ هذا الأداء والتخلق بهذا الخلق العظيم.