إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
112231 مشاهدة
بيان رحمة الله بعباده في تشريع الحج

وإذا كان كذلك فإنا نقول: إن ربنا سبحانه وتعالى فرض الحج على عباده، ولكن علم أن هناك من لا يقدر على أداء الحج؛ فجعله فرضا على القادر، لما نزلت هذه الآية سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- ما السبيل في قوله: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ؟ قال: الزاد والراحلة أي من ملك زادا وراحلة صالحين لمثله، ونفقة عياله إلى أن يرجع إذا كان يكفيهم بكسبه فإنه يجب عليه. يجب عليه المبادرة بالحج، وعدم التأني والتأخر.
ولذلك قال، أو روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: بادروا بالحج -يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ماذا يعرض له فأخذوا من ذلك أنه يجب على من كملت له الشروط وانتفعت الموانع فإنه يبادر بالحج، ذكر العلماء الشروط فذكروا:
الشرط الأول: الإسلام؛ لأنه عبادة ولا تصح من كافر، والشرط الثاني: العقل؛ لأن فاقد العقل لم يكلف، والشرط الثالث: البلوغ؛ لأن الصبي لم يتم تكليفه، والشرط الرابع: الحرية؛ لأن العبد مملوكةٌ عليه منافعه، والشرط الخامس: الاستطاعة الذي ذكره الله في هذه الآية، وذكروا شرطا سادسا: وهو أمن الطريق، وشرطا سابعا في حق المرأة: وهو وجود محرمها الذي هو زوجها، أو من تحرم عليهم تحريما مؤبدا بنسب أو سبب مباح، فإذا تمت هذه الشروط وجب على الإنسان المبادرة به.
ثم لما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية خطب وقال: أيها الناس، إن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا، فقال الأقرع بن حابس أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، ثم قال: لو قلت: نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم، ذروني ما تركتكم. الحج مرة، فما زاد فهو تطوع ؛ يعني أن فرض الحج إنما هو مرة واحدة، وما زاد على ذلك فإنه تطوع. أي تنفل، ومع ذلك فإن التنفل بهذه العبادة -التنفل بها- يعتبر عملا صالحا والأجر فيه كبير.
تسمعون الأحاديث في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وهذا يدل على فضل هذا الحج، وأنه سبب لتفكير الذنوب. وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وهذا دليل على فضل هذه العبادة وعظم شأنها، وأهمية العمل بها.