اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
فتاوى وأحكام في نبي الله عيسى عليه السلام
37014 مشاهدة
الوجاهة التي أعطيها عيسى عليه السلام

[س 4]: ما المقصود - أجزل الله لكم المثوبة بالكلمة- في قوله تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ما الوجاهة التي أعطيها؟ وما هي القربى؟
الجواب: الكلمة لفظ مفرد وجمعها كلمات، والمراد أن الكلمة خلق بها عيسى فأطلق على عيسى كلمة الله؛ لأنه خلق ووجد بها، وهي كلمة (كن)؛ ولهذا قال عن يحيى: مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي مصدقا بعيسى الذي خلق بكلمة من الله، فالمعنى هاهنا: يبشرك بولد يكون وجوده بكلمة من الله، أي يقول له: كن، فيكون، كما قال تعالى: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ أي خلق بالكلمة التي أرسل بها جبريل -عليه السلام- إلى مريم فنفخ فيها من روحه بإذن ربه -عز وجل- وكانت تلك النفخة في جيب درعها فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب والأم، ولهذا قيل لعيسى كلمة الله؛ لأنه ناشئ عن الكلمة التي هي (كن) كما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فليس عيسى هو نفس الكلمة إنما خلق وصار بالكلمة، وليس الكلمة مخلوقة وإنما خلق عيسى بالكلمة، فالكلمة من الله يخلق بها المخلوقات كما قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .

وقد قالت الجهمية: إن كلمة الله مخلوقة، وعند النصارى: أن كلمة الله من ذات الله؟ والصواب قول أهل السنة: إن كلام الله صفة من صفاته غير مخلوق، وإن عيسى خلق بالكلمة، وليس عيسى هو نفس الكلمة كما هو قول للنصارى.
وقوله تعالى: وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أي له جاه ومنزلة وفضل وشرف عند الله تعالى كما ذكر ذلك عن نبي الله موسى في قوله تعالى: وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا وهذه الوجاهة يكون من آثارها:
تأييده بالمعجزات، وتقويته في المخاصمات التي تحدث له مع من جادله من قومه، وكذلك يكون من آثارها: إجابة دعوته ونصره وحفظه وحمايته من أعداء الله الذين يكيدون له، ولهذا فإن عيسى قد حفظه الله وحماه من كيد اليهود ومكرهم، ولكن لا يلزم من إثبات هذه الوجاهة دعاؤه من دون الله، ولا إعطاؤه شيئا من حق الله تعالى.
ولا شك أيضا أن نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- له جاه عند الله كغيره من الأنبياء ومع ذلك لا يجوز التوسل بجاهه، فلا يقال: اللهم إني أسألك بجاه فلان، أو بمنزلته عندك؛ لما في ذلك من التعظيم الذي هو خالص حق الله، وأما الحديث الذي يروونه بلفظ: إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم . فهو حديث موضوع لا يجوز روايته إلا مع بيان حاله.
وقوله تعالى: وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي من أهل السعادة الذين يفوزون بالقربى والمنزلة الرفيعة في الجنة الذين ذكر الله ثوابهم في قوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ .
والقربى عند الله هي أشرف المراتب، وهي منزلة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين ذكر الله ثوابهم بقوله: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ والله أعلم.