إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
فتاوى في التوحيد
29875 مشاهدة
حكم قول بذمتك

س33: ما حكم قول بعض الناس: في ذمتك، أو بذمتي هل تخل بالعقيدة ؟
الجواب: الذمة في اللغة هي العهد والميثاق، وقد أمر الله -تعالى- بالوفاء به إذا أضيف إلى الله -تعالى- كقوله: لك عهد الله وميثاقه. كما قال -تعالى- وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وقال -تعالى- وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا وأمر بالوفاء به مطلقا في قوله -تعالى- وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا وهذا يعم قوله: لك عهد الله. وقوله: لك عهدي وميثاقي وذمتي، فإن الأصل وجوب الوفاء به لعموم هذه الآية.
ولأن الغدر من صفات المنافقين، وهو نقض العهد وعدم الوفاء به، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أربع من كن فيه كان منافقا خالصا: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر... إلخ. وفي حديث آخر: يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان لكن إعطاء عهد الله وذمة الله أشد وآكد من مطلق العهد والذمة، وقد ثبت في حديث بريدة عند مسلم قوله -صلى الله عليه وسلم- وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة من معك؛ فإنكم إن تخفروا ذممكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه والإخفار: نقض العهد.
وفي حديث آخر: من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله أي: في عهده وجواره. ولكن الغالب عند العامة قولهم: في ذمتي. قصد الحلف، أو تأكيد الكلام، فإذا قالوا: بذمتك. أرادوا أنه في سرك وما بينك وبين ربك. ويقول أحدهم للآخر: بذمتك ما فعلت كذا؟ فيقول: نعم، بذمتي. وإذا كان صادقا فلا محذور فيه، وإلا دخل في حكم الكذب، ونقض العهد الذي ذمه الله -تعالى- كما ذكرنا. والله أعلم.