إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
55143 مشاهدة
رد قول الأخطل النصراني في العقيدة

...............................................................................


يقولون: إن هذا الأخطل يقول: إن الكلام لفي الفؤاد؛ يعني أن الذي يكون في الفؤاد هو الكلام، وأما اللسان فإنه لا يسمى كلاما يعني النطق بالحروف لا تسمى كلاما؛ لأن هذا شاعر عربي. يأتيهم حديث مروي في الصحيحين بأسانيد ثابتة ويردونه ويقولون: هذا خبر آحاد لا نقبله في العقيدة.
فنقول: عجبا لكم تقبلون قول شعر الأخطل الذي روي بغير إسناد، وتردون الأحاديث الصحيحة التي رويت بالأسانيد الثابتة المتصلة التي ليس بها ضعف ولا انقطاع. تقدمون كلام الأخطل مع أنه ما روي بإسناد. هاتوا لنا إسناد هذا البيت. من الذي رواه بالإسناد؟ ما يجدون له إسنادا، ثم يقال: إنه بُحث عنه في ديوان الأخطل ولم يوجد؛ ما وُجد في ديوانه، ثم يُقال أيضا: إنه رواه كثير منهم: إن البيان لفي الفؤاد، وليس الكلام؛ وذلك لأن النطق باللسان هو الكلام. وأما الذي يكون في القلب فإنما هو القدرة على البيان، ثم نقول لهم أيضا: إن هذا الشاعر على تقدير أنه قاله فإنه نصراني ولا يقبل كلام النصارى في العقيدة؛ وذلك لأن النصارى قد ضلوا في مسمى الكلام فإن عيسى عندهم هو نفس الكلمة يدعون أنه نفس الكلمة. يعني أن قوله: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ أن عيسى كلمة الله أنه نفس الكلمة.
ومعلوم أن عيسى مخلوق، فيكون على عقيدة النصارى أن كلام الله مخلوق. أفتأخذون عقيدة النصارى وتحكمون بها علينا معشر المسلمين وتقولون: هذا شاعر عربي. بئسما اخترتم.
ودليلهم في ذاك بيــت قاله
فيما يقال الأخطل النصراني
لا شك أن الذين
نبذوا كتاب الله خلف ظهورهم
نبذ المسافر فضلــة الآكال

وأنهم استدلوا بكلام هذا النصراني؛ أنهم في غاية الضلال فلا يلتفت إلى استدلالهم.
استدلوا به كما ذكرنا على شيئين: على الاستواء:
قد استوى بِشْرٌ على العراق
.........................

ولا دلالة في ذلك، والصحيح أيضا أنه محرف أو أنه مُتقول، واستدلوا به على أن الكلام مخلوق -وأنهم يعني الأشاعرة- وأن الكلام ما يقوم بالقلب لا أنه ما يقوم باللسان فجعلوا الأخطل هو قدوتهم، وتركوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وتركوا الآيات القرآنية، وتركوا الأحاديث النبوية، وتركوا أشعار العرب الفصحاء، وتركوا أيضا كلام أهل اللغة. كل ذلك قدموا عليه كلام هذا النصراني.