اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
43115 مشاهدة
باب تطوع قيام رمضان من الإيمان

قال رحمه الله: باب تطوع قيام رمضان من الإيمان: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من قام رمضان إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه .


قيام رمضان: الصلاة في لياليه. وهذه أيضا من الأعمال التي يحبها الله؛ فإنه يحب أن يتطوع العباد بجنس ما فرضه عليهم. فرض الله الصلاة وأحب أن يتقربوا بجنسها يعني: بنوافل. وفرض الصيام وأحب أن يتقربوا بنوافل التي هي صيام التطوع. وفرض الصدقة كالزكاة وأحب أن يتطوعوا بجنسها يعني: صدقات التطوع والتبرعات وما أشبهها.
فمن جنس الصلاة قيام رمضان. جاء في هذا الحديث أن من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه يعني: لم يحمله إلا الإيمان حمله الإيمان، أو أن قيامه زيادة في الإيمان. يحصل هذا الأجر لمن احتسب وصبر وقام ليالي رمضان من أوله إلى آخره.
قيل: يحصل لمن قام نصف كل ليلة أو ثلثها متهجدا متطوعا؛ وذلك لأن الله تعالى أمر نبيه بذلك في قوله: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ هكذا أمره. ثم أخبر بعد ذلك بامتثاله فقال: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ يعني: قريبا من ثلثي الليل. وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ أي: وتقوم ثلثه.
وهذا فعله -صلى الله عليه وسلم- طوال السنة. ولا شك أن رمضان أولى بأن يهتم به؛ ففي هذا الحديث أن من قام رمضان يعني: قام لياليه. فله هذا الأجر إذا احتسب، وكان احتسابه أن يحمله على ذلك الإيمان بالله والاحتساب؛ الإيمان الذي امتلأ به قلبه، والاحتساب الذي هو طلب الأجر.