إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
جمل رفيعة حول كمال الشريعة
10049 مشاهدة
الحث على الشيم والأخلاق النبيلة

ومما يدل على كمال الإسلام، واشتماله على كل مصلحة وخير ونفع للأفراد والجماعات؛ أن الشرع الشريف حث على الشيم والأخلاق النبيلة التي تعترف العقول بمعرفتها، وتشهد بحسنها وحسن آثارها، وما لها من الأثر الفعال في النفوس، مما يوافق مقصد الشريعة، كما أمر بالتواضع ولين الجانب، سيّما مع الضعفاء والخاملين والمساكين، ونهى عن ضد ذلك من التكبر والتجبر، واحتقار المسلمين وازدراءهم، ومن الإعجاب بالنفس والترفع على الخلق، وفسّر الكبر بأنه بطر الحق وغمط الناس، فإن الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، كما في قوله -تعالى- إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وكما في الحديث: إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد بل أخبر بأن التواضع لعباد الله سبب للرفعة وعلو الرتبة عند الله وعند الناس، وقال: حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه فهذه إشارة إلى كمال الشريعة، وإلى ما اشتملت عليه من الخصال الحميدة، والأخلاق والآداب الرفيعة، التي تسمو بمن تخلَّق بها إلى أرفع المنازل، وما حذرت منه هذه الشريعة من الأخلاق الدنيئة الذميمة، التي تدنس الأعراض، وتوقع في العار والشنار، ولقد أكثر العلماء قديما وحديثا من الكتابة حول خصال الإيمان والدين التي تجب أو تستحب، وسموها آدابًا شرعية، وخصالا دينية، وأدخلوا في ذلك العادات القديمة التي أقرها الإسلام، أو أثنى على فعلها، كالجود والكرم، والصدق والوفاء، والبر والصلة، والسلام والتحية، والتراحم والتعاطف، والتزاور ونحوها، وقد توسع في ذلك ابن عقيل الحنبلي في كتابه المسمى بـالفنون، حيث جمع فيه ما أدركه من فنون العلم بجميع أنواعه، ولكنه لم يوجد كاملا، وقد ألف الكثير من الأئمة في الأخلاق والآداب، وشعب الإيمان، وهكذا كتبوا في الخصال المذمومة وكبائر الذنوب وأنواع المعاصي والمحرمات، وكل من ألف في ذلك فإنما كتب ما يناسبه، ولكل مجتهد نصيب.
ولا شك أن شريعة الإسلام قد تضمنت كل ما تمس إليه الحاجة البشرية، وأن جميع الخصال التي تهدف إليها يعرف عند التأمل ملاءمتها ومناسبتها؛ ولذلك يحتاج إلى الاستقصاء في جمع أنواع العبادة، وما ورد الأمر به من القربات، وما نهى عنه مما يخالف أهداف تلك الخصال، وذكر أدلتها من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، مع ذكر معانيها ونتائجها، مما يفيد المسلم وطالب الحق علمًا وسعة إطلاع.