من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
جمل رفيعة حول كمال الشريعة
10057 مشاهدة
الحث والترغيب في الأخلاق الشريفة

هذا وإن مما يدل على كمال هذه الشريعة؛ اشتمالها على الحث والترغيب في الأخلاق الشريفة والآداب الرفيعة، والتنفير عن أضدادها، فقد رَغَّب في الصدق مع الله ومع عباده؛ فهو السمة العالية التي يحبها كل عاقل من مسلم وكافر، ويثق الجمهور بأهل الصدق، ويحسنون معاملتهم ومعاشرتهم، كما جاء بالزجر عن الكذب، وجعله من سمات أهل النفاق الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
وكذا أمر بالصبر على أداء العبادات -وإن ثقلت على بعض النفوس- وأفاد أن الأجر على قدر النَّصَب، ونهى عن إعطاء النفس ما تميل إليه -بمجرد طبعها- من الإخلاد إلى الراحة والكسل، وحثَّ على قمع النفوس عن تعاطي المحرمات شرعا، وبيَّن أن صبر النفس عن ميلها إليها فيه ثواب كبير لمن جاهد نفسه، وصبر عن تناول ما حرم ربه عليه.
كما أن ربنا -تعالى- جعلنا في هذه الدار عُرضة للأخطار والمصائب ابتلاء منه واختبارا؛ ليظهر من يرضى ويُسَلِّم ويصبر على أقدار الله ممن يجزع وتضعف نفسه عن تحمل الصبر والاحتساب، فوعد الصابرين بالأجر الكبير والثواب العظيم، بخلاف من جزع ودعا بالويل والثبور فإنه -مع فوات أجر المصيبة- لا يفيده جزعه ولا يرد فائتا.
وكذا جاء الإسلام أيضا بإباحة مُتع الدنيا مع الاقتصاد في ذلك، مما يدل على كماله، وتدخله في شئون الناس ومعاملاتهم لبيان الهيئة الرفيعة من أنواع اكتساب المال وإنفاقه فحث على الحِرَف والصناعات واكتساب المال من وجوهه المباحة؛ للتعفف عن سؤال الناس، وإظهار الفاقة أمامهم مما يضعف النفس ويسقط الهيبة.
كما حث على القناعة بما رزق الله العبدَ من ضيق أو سعة، وأخبر بأن الغِنَى غِنَى النفس، وأن من أخذ المال بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذ بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وأوضح أن اليد العليا خير من اليد السفلى، ونحو ذلك من الشيم الرفيعة، التي تبعث في النفوس الرضى عن الله بما وهبه للعبد من سعة أو ضيق، ويكون بما في يد الله أوثق مما في يده، فلا يستكثر ما قدمه لأخيه وأعطاه لفقير أو محتاج، أو وهبه لابن سبيل، أو في سبيل الله؛ حيث أيقن بأن ربه يحب منه ذلك، وأنه يخلفه له بخير منه عاجلا أو آجلا، فهان عليه ما بذله لله من صدقة، وصلة رحم، وقَرى ضيف، ووقفٍ على جهة بر، ونحو ذلك من صفات أهل الكرم والسخاء، والجود بما في اليد؛ ثقة بالله وطواعية له، بل إنه قد يواسي بما في يده، أو يؤثر على نفسه، كما وصف الله -تعالى- حال الذين: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ .
ولكنه جاء مع ذلك بالحث على الاقتصاد، وشدد في ذم المسرفين وأهل التبذير، وإفساد المال وإنفاقه في الباطل، أو فيما لا فائدة فيه، وأخبر بأن المبذرين إخوان الشياطين، والمراد البذل في الحرام، أو ما هو ضار قادح في الدين، أو التعدي في الإنفاق في الشهوات والملذات فوق الحاجة مما يتضمن الإتلاف للأموال في غير طريقها.