تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شرح سنن الترمذي
38097 مشاهدة
باب ما جاء في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها وبيان فضل ذلك

باب ما جاء في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها.
حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة وعبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعتق صفية وجعل عتقها صداقها قال: وفي الباب عن صفية .
قال أبو عيسى حديث أنس حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق، والقول الأول أصح.
باب ما جاء في الفضل في ذلك
حدثنا هناد حدثنا علي بن مسهر عن الفضل بن يزيد عن الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، عبدٌ أدى حق الله وحق مواليه فذاك يؤتى أجره مرتين، ورجل كانت عنده جارية وضيئة فأدبها فأحسن أدبها ثم أعتقها ثم تزوجها يبتغي بذلك وجه الله فذلك يؤتى أجره مرتين، ورجل آمن بالكتاب الأول ثم جاء الكتاب الآخر فآمن به فذلك يؤتى أجره مرتين .
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن صالح بن صالح وهو ابن حي عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه بمعناه.
قال أبو عيسى حديث أبي موسى حديث حسن صحيح، وأبو بردة بن أبي موسى اسمه عامر بن عبد الله بن قيس وروى شعبة وسفيان الثوري هذا الحديث عن صالح بن صالح بن حي وصالح بن صالح بن حي هو والد الحسن بن صالح بن حي .


ذكرنا قريبًا أن صفية ما أصدقها مالًا بل أصدقها نفسها؛ لأنها كانت من سبي يهود خيبر وكانت ابنة لحُيَيّ بن أخطب وهو من أشراف بني النضير، وكان بنو النضير بالمدينة وهم الذين هموا بقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله فيهم قوله: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ولما علم ذلك منهم حاصرهم إلى أن أجلاهم وذهبوا إلى أذرعات في الشام ولكنه حُيَيًّا وأخاه أبا ياسر نزلا بخيبر .
ولما جاء الأحزاب -الأحزاب الذين تحزبوا بقيادة أبي سفيان وجاءوا إلى المدينة وحاصروا أهل المدينة - جاء حيي إلى بني قريظة، وحملهم على أن ينقضوا العهد وأن ينضموا إلى أبي سفيان ومن معه، وضمن لهم النصر، وأن محمدًا سوف يقتل وسوف يضمحل أمره، فأخذ عليه العهد إن انهزم الأحزاب أن يدخل معنا ويصيبه ما أصابنا، ففعل وقتل مع بني قريظة، وبقيت ابنته مع زوجها في خيبر فقتل أيضًا زوجها وصارت في السبي، فصارت أولًا لثابت بن قيس ثم اصطفاها النبي -صلى الله عليه وسلم- لنفسه، ولما كان في الطريق حلت حيث طهرت من حيضها، وذلك يُعلم به براءة رحمها، فعند ذلك بنى بها في الطريق وأولم بحَيْس من طعام وحجبها؛ فعرف المسلمون أنها من أمهات المؤمنين، جعل عتقها صداقها، قيل لأنس ماذا أصدقها؟ قال: نفسها. أي بدل ما كان يملكها ولها قيمة جعل قيمتها لها على أن تكون زوجة له، فأصبحت زوجة له، يقسم لها كما يقسم لزوجاته، ودخلت في الإسلام، وأصبحت من أمهات المؤمنين.
الصحيح أن هذا جائز، أن يعتق المرأة الأمة ويجعل عتقها صداقها.
وخالف في ذلك بعض العلماء وقالوا: لا بد لها من صداق ما لم يدفع إليها؛ لقوله تعالى: وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فأين المال الذي أنفقه عليها؟ فقالوا: لا بد أن يُفرَض لها صداق، ولا يجوز أن يجعل عتقها صداقها؛ لأن العتق أمر معنوي، ولا يكون الصداق إلا شيئًا محسوسًا يُحَس ويُدفَع ويكون مالًا عينيا، وجعلوا هذا من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- لقوله تعالى: وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ .
ولكن ذهب الجمهور إلى أنه جائز أن يجعل عتقها صداقها، ويكون الحكم عاما ليس خاصا، وحينئذ ماذا يقول لها؟
يقول لها: قد أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، أو يقول: أعتقتك وتزوجتك، أو يقول: قد حررتك بشرط أن تكوني زوجة لي، فكان قبل أن يعتقها يملكها ملك يمين، وكان يملك الاستمتاع بها أكثر من ملكه للاستمتاع بزوجته؛ لأن الزوجة لها حرية وتملك نفسها وتملك مالها، وأما الأمة فليس لها مال تملكه، فهي وما تملك لسيدها، وسيدها هو الذي يتصرف فيها، وليس لها استطاعة على أن تخرج من طواعيته؛ فلذلك فُرق بينهما؛ لأن الزوجة لها أحكام والأمة لها أحكام، ولكن لا مانع من أن يقلب الأمة إلى كونها زوجة وتصبح كزوجاته.
وأما الحديث الذي فيه الفضل، ففيه أن من الفضل رجل كانت له أمة مملوكة، علمها وأدبها وأحسن تأديبها وكمَّل تعليمها، وبعد ذلك أعتقها وتزوجها، أعتقها احتسابًا وعرف أنها بحاجة إلى زوج فتزوجها لتصبح زوجة له، فهل المراد أنه جعل عتقها صداقها، أو أنه حررها، ولما ملكت نفسها خطبها إلى نفسها وتزوجها ودفع لها مهرًا مناسبًا؟
هذا هو الأقرب؛ لأن قوله: أعتقها يدل على أنها عتقت منه، ثم بعد ما عتقت وأصبحت حرة خطبها إلى نفسها وأصبحت زوجة له.
كذلك فضْل العبد الذي أدى حق الله تعالى وحق مواليه يعطى أجره مرتين، وكذلك فضل الرجل الذي من أهل الكتاب، آمن بالكتب السابقة مفصلة وآمن بما عرفه مما فيها، ثم آمن بالكتاب المنزل على نبينا -صلى الله عليه وسلم- وآمن بشريعته فيؤتى أجره مرتين؛ مرة على إيمانه السابق ومرة على إيمانه اللاحق.