القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح سنن الترمذي
38078 مشاهدة
باب ما جاء في النهي عن التبتل


باب ما جاء في النهي عن التبتل.
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصواف الْبَصْرِيُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ .
قَالَ أَبُو عِيسَى وَزَادَ زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ فِي حَدِيثِهِ، وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً .
قَالَ: وَفِي الْبَاب عَنْ سَعْدٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَى الْأَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ، وَيُقَالُ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.


هذا ما ذكرناه من النهي عن التبتل، والمراد بالتبتل هنا الانقطاع عن الشهوات والملذات كلها، ومن جملتها النكاح والتخلي للعبادة، وليس هو مطلق العبادة. الله تعالى قد أمر رسوله بالتبتل في قوله تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا الفرق بين الذي نهى عنه والذي أمر به: أن الله أمر نبيه بالتبتل الذي هو العبادة وكثرة الإقبال على الله والاشتغال بها بحيث لا تشغله عنها الأموال ولا الأولاد ولا الدنيا.
ولكن مع ذلك أباح له الشهوات المباحة قال الله تعالى : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ فزينة الله؛ أي: ما على الدنيا مما أباحه الله. والطيبات من الرزق؛ يعني: المآكل المباحة، وكذلك النكاح ونحوه.
فزينة الله التي أخرج لعباده هي ما على وجه الأرض من المباح. ولكن لا يستهلك فيها الإنسان بحيث ينشغل بها حتى لا يتفرغ للعبادة؛ فلذلك قال: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا .
فالتبتل المنهي عنه هو إما أنه الانقطاع الكلي الذي هو الترهب الذي فعله النصارى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا كونهم ينقطعون انقطاعا كليا عن الدنيا وملذاتها، ويبقون في دياراتهم وصوامعهم ومتعبداتهم، ولا ينشغلون بشيء من ملذات ومن أمور الدنيا، فهذه الرهبنة أنكرها الإسلام ولم يكتبها الله عليهم.
إنما الانكباب على الدنيا والإقبال عليها إقبالا كليا بحيث يشغل عن الآخرة هذا منهي عنه، والانقطاع عن الشهوات كلها هذا أيضا منهي عنه.
بل عليه أن يعطي نفسه حظها من الشهوات، وألا يتمادى معها ولا ينقطع انقطاعا كليا لا عن الشهوات ولا عن العبادات؛ إذ في الصحابة -رضي الله عنهم- قد هم كثير منهم أن ينقطعوا عن الدنيا وأن يتبتلوا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليهم، وأمرهم بأن يعودوا إلى ما أحل الله تعالى وأباح لهم.