لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
56023 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ

...............................................................................


ثم يقول تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ النكاح: التزويج؛ يعني زوجوهم فإن في تزويجهم ما يكون وسيلة إلى إعفافهم، وإبعادهم عن اقتراف المحرمات. فإذا بلغوا سن الزواج ولم يتزوجوا، العادة أنها تشتد فيهم الغلمة والشبق وتقوى فيهم الشهوة، ولا يستطيع أحدهم غالبا كسر هذه الشهوة إلا بزنا أو لواط أو يستعمل الاستمناء باليد ونحوه؛ فيكون في ذلك ضرر عليه، أو في ذلك نقص في دينه؛ فلذلك حث الله تعالى على النكاح: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى .
الأيامى: جمع أيم: المرأة التي يتوفى عنها زوجها أو يطلقها؛ فتسمى أيما، وإذا انقطعت عن النكاح تسمى أرملة أي: قد ترملت وعزمت على عدم النكاح، ففي هذه الحال أمر أولياؤهن أن يزوجوهن، وألا يبقوهن على هذا التأيم الذي فيه ضرر عليهن؛ المرأة معها شهوة كشهوة الرجال؛ فلا بد أن وليها ينظر في مصلحتها، وأنه يزوجها ولا يتركها على هذه الحالة التي تلاقي فيها العنت والصعوبة.
وقد وردت الأدلة في الأمر بذلك في الحديث قوله: إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض وفساد عريض يعني إذا رددتم الأكفاء؛ تأيمت المرأة، أو كذلك إذا بلغت سن النكاح وبقيت لم تزوج ثم بلغت سن العنوسة؛ لا شك أن ذلك يضرها، وأنه يوقعها في فعل الفاحشة، أو مقارفتها أو الميل إلى الرجال؛ فيكون في ذلك إفشاء للفاحشة، والله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
فالحاصل أن الله أمر بتزويج الأيامى؛ حتى لا ينتشر المنكر، وكذلك أمر بتزويج المماليك في قوله تعالى: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ وخص الصالحين؛ وذلك لأنهم الذين يحبون التعفف، والمراد المماليك: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ يعني: مماليككم. وَإِمَائِكُمْ يعني: مملوكاتكم -زوجوهم.
إذا بلغت المملوكة يعني: بلغت سن النكاح، وطلبت من سيدها أن يزوجها؛ لزمه ذلك. قالوا: يلزمه أن يعفها، فله أن يستمتع بها كملك اليمين؛ ليعفها. وله أن يزوجها بحر أو يزوجها بعبد. وإذا لم يفعل لزمه أن يبيعها أو يعتقها؛ حتى تكون حرة تتصرف كما تشاء. فأما أن يبقيها بلا زوج ولا يعفها بنفسه؛ فإنه -بلا شك- يعرضها للفتنة.
وكذلك العبد إذا طلب من سيده أن يزوجه؛ لزمه ذلك حتى لا يعرضه للحرام. فإذا لم يفعل؛ فعليه أن يبيعه أو يعتقه؛ وذلك لأن معه من الشهوة مثل ما مع الأحرار أو أشد؛ فلذلك لا بد أنه يعتقه أو يبيعه أو يعفه بتزويجه زوجة حرة أو زوجة أمة يحصل به انكفافه عن الوقوع في المحرمات؛ أي في الزنا واللواط ونحوه.
يقول الله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ؛ إذا كان ذلك الزوج الذي خطب إليك فقيرا؛ فلا تمنعه زوجه ولو كان فقيرا؛ فإن الله تعالى وعده أن يغنيه من فضله، وهذا مجرب ظاهر: أن الإنسان إذا تزوج وقصده أن يعف نفسه، وكان فقيرا؛ يسر الله له ورزقه وأغناه من واسع فضله، وفتح عليه باب الرزق، يرزقه برزق زوجته، ويرزقه برزق أطفاله، ويفتح عليه الأسباب التي يكون فيها غناه وسداد حالته، هذا من المشاهد: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ .
كذلك ورد في الحديث الثلاثة الذين حق على الله عونهم: الرجل يتزوج وقصده العفاف يعينه الله تعالى ويسدده ويسد خلته وحاجته.
ثم قال تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ واسع فضله، وواسع عطاؤه، ثم قال: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ؛ يعني إذا كان فقيرا لم يجد مهرا ولو شيئا قليلا، ولم يجد ما يقوت به نفسه، ليس عنده ما يقوت به نفسه، فكيف بأهله؟ فعليه أن يتحمل وأن يتصبر، وأن يحرص على التصبر والتحمل، ولو كان هناك شيء من الصعوبة والمشقة إلى أن يرزقه الله.
وعليه أن يبذل الأسباب في التكسب، وفي فعل الوسائل التي يحصل منها على مال، لكن بشرط ألا يذل نفسه ولا يهينها ولا يعرضها للعبودية والذل للمخلوقين، فإذا بذل الأسباب؛ سدد الله تعالى خطاه ورزقه، وفتح عليه باب الرزق، وآتاه من رزقه ما يكون سببا في إغنائه وإعفافه، يقول: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ هذا في حق المملوك، إذا عجز سيده عن خدمته، مثلا عن استخدامه أو لم يكن به حاجة؛ جاز له أن يكاتبه، إذا طلب ذلك بأن قال: أشتري منك نفسي وأحترف، أؤدي ثمن نفسي حتى أكون حرا.
أمر الله بذلك: إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وقدرة على التكسب وأداء الثمن الذي اشترى به نفسه: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ أي: ضعوا عنهم من دين الكتابة وتصدقوا عليهم، أمر الله تعالى المؤمنين بأن يساعدوهم حتى يتحرر.