القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
محاضرة في أحكام التصوير
4024 مشاهدة
هدم الأوثان في أفغانستان والرد على شبهات المعارضين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لعلكم سمعتم -واشتهر بينكم- ما حدث في هذه الأيام من ضجة في أكثر العالم الإسلامي وغير الإسلامي مما فعله المسلمون في أفغانستان في محاولتهم هدم تلك الأوثان -أو تلك الصور القديمة- التي هي صور منحوتة في جبال من قديم الزمان. ولما مكن الله هذه الدولة من الاستيلاء على هذه البلاد، ورأت أن تحكم الشرع، وأن تحكم به؛ كان مما عزمت عليه أن تهد تلك الصور، وأن تمحو مكانها.
ولما عزمت على ذلك ضج العالم من فوقهم ومن تحتهم، وعن يمين وعن شمال، من المسلمين وغير المسلمين، وأنكر كثير منهم ذلك، واختلفوا ما بين مؤيد ومفند وناصر لهم وناقد لهم.
ولا شك أن هذا من غربة الإسلام؛ اهتمام كثير من الدول بهذه الأصنام أو بهذه الصور، وضجيجهم حول ما عزمت عليه هذه الدولة من محو هذه الصور وإزالة آثارها.
إنه لأمر عجيب! فإنهم في هذا الزمان وقبله يمسهم الجوع ولا تتكلم هذه الدول في أمرهم! يموت كثير منهم جوعا وجهدا وبردا، ولا تتكلم هذه الدول ولا تنتصر لهم! ولا تمدهم ولا تساعدهم على ما هم عليه من ضيق ذات اليد، ومن الشدة، ومن شدة البرد في هذا الشتاء وغيره. قليل الذي يهتم بأمرهم، والذي يتبرع لهم.
ولما عزموا على هذا الفعل الذي نحسبه -إن شاء الله- من إزالة الأوثان؛ ضجت كبار الدول، وأخذ كثير من الناس يبررون إبقاء هذه الصور، ويتكلمون وينشرون حولها ويدلون بشبهات حولها. فمن قائل: إنها ليست تعبد إنما هي تعتبر آثارا، والآثار فيها فائدة اقتصادية للبلاد؛ حيث أنها تكون موردا للسائحين.
وهذا غير صحيح؛ بل نعرف أن الله تعالى هو الذي يرزق من يشاء، ودليل ذلك أن المشركين لما نزل قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ظن أهل مكة أنها ستضعف تجارتهم، وسيضعف اقتصادهم؛ فقالوا: سنخسر، لا يأتينا أحد، إذا منع العرب من أن يدخلوا هذا البلد ماذا تكون حالتنا؟! فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وصدق الله وعده؛ فإن الله تعالى أغناهم بعد أن منع المشركين أن يدخلوا المسجد الحرام .
وإلى هذا العام، وإلى أن يشاء الله -والحمد لله- أن المشركين لا يدخلون المسجد الحرام -الذي هو مكة - ولا يقربونه، وذلك أمر الله تعالى، وفيه أيضا فائدة عظيمة، وهي تنزيه بيت الله تعالى عن المشركين الذين هم نجس كما ذكر الله. أغناهم الله تعالى، وحقق ما وعده؛ فيقال كذلك أيضا لهؤلاء المسلمين في دولة أفغانستان - نقول: يغنيكم الله من فضله، ويبارك لكم فيما أعطاكم، ولا حاجة لكم فيما تأخذونه من أولئك السائحين، أو من أولئك الذين يتعبدون بالتقرب إلى ذلك الصنم أو إلى تلك الأصنام.
كذلك يقول كثير من الناس: إن الصحابة وتلاميذهم أقروا هذه الأصنام أو هذه الصور، فلماذا لم يهدموها مع أنهم استولوا على الأفغان وعلى كثير من الدول، وأقروا ما فيها؟! أقروا ما في مصر من صور الأهرام ونحوها، وغيرها من الصور.
فنقول: إن الصحابة -رضي الله عنهم- وتلاميذهم كانوا مهتمين بالجهاد -الذي هو إدخال المسلمين في الإسلام والتوسع في فتح البلاد- فأهمهم فتح البلاد، فلما فتحوها ودان أهلها بالإسلام، وعرفوا أنهم عرفوا التوحيد؛ لم يكن يهمهم إزالة هذه الصور ونحوها.
وقد يكون السبب أنهم ليس عندهم إمكانيات في هدم تلك الصور التي هي منحوتة من حجارة؛ فلا يوجد عندهم المتفجرات التي توجد في هذه الأزمنة ولا غيرها؛ فأجلوا أمرها إلى أن يتمكنوا، ثم تركها من بعدهم ظنا منهم أنها لا تضر؛ فعلى هذا لا يظن أن الصحابة والتابعين وتابعيهم تركوها إقرارا لها.
الصور كالأهرام التي في مصر كانت آثارا ولا تزال، ولم يكن فيها شيء من الأوثان التي تعظم لأجلها. وكذلك يوجد أيضا في الشام في مدينة تدمر صورتان منحوتتان في الجبل لفتاتين، مر بهما أحد الشعراء فنظم فيهما أبياتا يقول فيها:
فتاتي أهـل تدمــر خبرانـــي
ألما تسأمـا طـول الـقـيــام
وإنكما على مــر الليــالــي
لأرسى من فروع ابنــي شمـام
ويقول فيهما الآخر:
ما صورتان بتدمر قـد راعتــا
أهل الحجى وجماعــة العشــاق
غبرا على مر الزمــان وكـره
لم يسأما مـن ألـفــة وعنــاق
فليرمينهم الـزمــان بكــره
بحوادث الإغــراب والإشـــراق
كي يعلم العلماء ألا خـالـــدا
غير الإله الـواحــد الـخــلاق
ثم أتى عليهما ما أتى على غيرهما فأزيلتا -والحمد لله-. فمتى تمكن المسلمون من إزالة مثل هذه الصور -التي هي منحوتة- فإنهم يزيلونها ولا يقرونها.
وكذلك أيضا يوجد في ديار ثمود - مدائن صالح - التي هي في داخل المملكة أن بعضهم صور صورة طائر على مدخل داره كنسر له أجنحة، وله أرجل وله عنق ورأس، ثم إن المسلمين لما فتحوا هذه البلاد أزالوا صورة الرأس، ومسحوه حتى كأنه شجرة؛ وذلك دليل على أن المسلمين متى استولوا على مثل هذه الأصنام ونحوها بادروا بإزالتها.
النبي -صلى الله عليه وسلم- لما استولى على مكة ودخلها سنة الفتح كان في المسجد الحرام ثلاثمائة وستون صنما؛ يعني: صور منحوتة من حجارة، أو منحوتة من خشب على صور رجال أو نساء، ومنها صنمان على الصفا والمروة يقال لهما: إساف ونائلة. ذكر المؤرخون: أنهما رجل وامرأة زنيا في داخل الكعبة؛ فمسخهما الله حجرين على ما هما عليه؛ فنصبتهما العرب على الصفا والمروة للاعتبار، فلما طال الزمان عُبدا من دون الله؛ فلما تمكن المسلمون أزالوا هذه الصور كلها وطمسوها.
ولما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- الكعبة المشرفة وجد فيها صورة لإبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام؛ فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بماء فمحا تلك الصور، وقال: قاتل الله المشركين، والله ما استقسما بها قط الأزلام رجس من عمل الشيطان -كما ذكر الله تعالى-؛ فلم يكونا يستقسمان بها، ولكن المشركين يحبون أن تكون هناك شيء من الصور، ومن الآثار التي يريدون التذكر بها والتعظيم لها.
وكذلك أيضا لما فتح الله تعالى على النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين مكة أرسل إلى الأوثان التي حولها من أشجار وبنايات وحجارة ونحوها؛ كـ اللات التي في الطائف وكانت صخرة على قبر رجل فأمر بتحطيمها، والعزى شجرة في وادي نخلة بين مكة والطائف ومناة التي بوادي قديد وذو الخلصة، وما أشبهها. ما أبقى على آثار المشركين شيئا، ما أبقى عليها أبدا ولا تركها، بل بادر إلى إزالتها وإلى محوها؛ وذلك لأنها تكون سببا في عبادة غير الله؛ عبادة تلك الصور وتعظيمها.