اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
محاضرة بعنوان من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
11974 مشاهدة
شغل الأوقات بالعناية بالقرآن

وصية ثالثة: قد تدخل أيضا في الوصية الأولى التي هي شغل الوقت، فإذا قال المسلم: كيف أشغل وقتي؟ عندي أوقات فراغ، وهذا الفراغ لا بد أنني أقضيه في شيء أتسلى به؛ عندي وقت طويل، إذا جعلت مثلا له جزءا للراحة فأي شيء أقضي به وقتي؟ وهذا سؤال وارد.
كثيرا ما يقول بعض الشباب: عندنا وقت فراغ في أي شيء نشغله؟ وبأي شيء نقطع ليلنا ونقطع نهارنا؟ فنرى كثيرا منهم إذا أصبحوا ليس لهم حاجة إلا المشي والتردد في الأسواق وفي الطرق ركبانا أو مشاة، يقولون: ليس لنا حاجة، فكيف ننحجر في بيوتنا؟! ونرى آخرين منهم يذهب بعضهم إلى بعض ثم يضيعون أيضا وقتا طويلا في القيل والقال، وفي عمارة المجالس بما لا فائدة فيه، ويقولون: نقطع بذلك وقت الفراغ.
ونرى آخرين منهم يكثر منهم الانشغال باللعب، فإما أن يجلس أمام الشاشات، وينظر فيما يعرض فيها مما لا فائدة فيه، أو مما فيه مضرة على العقائد وعلى الفطر وعلى الأوقات وعلى الأعمال، ليس لهم حاجة إلا أنهم يجلسون مقابلين هذه الشاشات وقتا طويلا، نرى أنهم لا يستفيدون شيئا أو بل يتضررون بسماع الغناء، أو بالنظر إلى الصور الملهية وما أشبهها، وأقل شيء يخسرونه وقت طويل يذهب عليهم دون أن ينشغلوا فيه بشيء من عبادة الله -عز وجل- فهؤلاء يعتبرون خاسرين.
ونرى كثيرا منهم يقولون: عندنا وقت فراغ فنشغله بهذا اللهو، فيجلسون حلقات ويلعبون بما يسمونه الكيرم أو البلوت أو لعب لا أهمية لها؛ يقضون فيها ساعات من ليلهم أو ساعات من نهارهم، ليس لهم شغل إلا هذا اللعب الذي يجلب لهم ضحكا، يجلب لهم قهقهة، يضيع عليهم وقت فيه ثمين؛ يدخل في لهو الحديث الذي قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ وعاب الله تعالى الدنيا بقوله تعالى: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وذكر تعالى عقوبة الكفار أهل النار بقوله: الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا ؛ فهؤلاء اتخذوا دينهم يعني عبادتهم وأوقاتهم لهوا ولعبا.
وإذا عرفنا أن كل هؤلاء قد أضاعوا أوقاتهم فإننا ننصحهم ونقول لهم: نوصيكم بوصية تفيدكم، وهي أن تشغلوا أوقاتكم بشيء ينفعكم.
فأولا: نوصيكم بحفظ القرآن؛ الله تعالى أنزل هذا القرآن ليُتَفقَّه وليتدبَر، وجعله هدى وشفاء ويسره، قال الله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أي: يسرنا فهمه، يسرنا حفظه، يسرنا قراءته على من أقبل عليها، وعلى من اهتم بها، فقد وفق الله تعالى دولتنا -جزاهم الله خيرا- لأن نشروا هذا القرآن، فيطبع منه أو قد طبع من المصاحف ألوف الألوف أو ملايين الملايين، ونشرت في داخل المملكة وفي خارجها، وتيسر الحصول على المصاحف بسهولة، وقد كنا قبل ستين سنة أو نحوها لا نجد إلا مصاحف ممزقة في قليل من المساجد، والكثير لا يجدونها.
فنقول: إن عليكم أن تهتموا بالقرآن، فتشغلوا به أوقاتكم، ثم عليكم أيضا أن تحفظوا ما تيسر منه، ففي أوقات الفراغ اجعلوا وقت فراغكم لحفظ القرآن، فإنه متى حفظه المسلم أصبح دليلا له إلى الخيرات، وأصبح بيانا؛ قد وصفه الله تعالى بذلك، قال تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ وصفه بهذا كله، ووصفه بالشفاء: وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ هذه أوصاف كلام الله تعالى، ولكن لا تحصل هذه الأوصاف ولا تحصل هذه الأمور إلا لمن اهتم بالقرآن، وجعله أو جعل وقته منشغلا به، إن كان حافظا فإنه يردده ويكرره؛ فيثيبه الله تعالى على حفظه، وإن كان غير حافظ فإن عليه أن يجتهد في حفظه أو بما تيسر منه.
كذلك أيضا أمر الله تعالى بتدبره، قال تعالى: لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ وقد وفق الله تعالى العلماء في هذه الأمة لأن اهتموا ببيان القرآن، وتفسيره وتوضيح معانيه، وإظهار دلالاته؛ حتى أصبحت معانيه واضحة لا تخفى على طالب العلم وعلى طالب الفهم؛ فنوصيكم بقراءة القرآن، ثم بقراءة التفاسير، وبقراءة وبتعلم معاني القرآن حتى تعرفوا كيف يُستدل بها، وتعرفوا كيف يُعمل بها، وتكونوا من أهل القرآن الذين هم أهل الله تعالى وخاصته.