إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
محاضرة بعنوان من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
11991 مشاهدة
فضل مجاهدة النفس

لا شك أن مجاهدة النفس قد تعتبر جهادا كبيرا، كما ورد أن أقوى الجهاد جهاد النفس، فمثلا نفس الإنسان تنازعه إلى فعل الحرام؛ سيما إذا رأى المحرمات منتشرة أو رأى وسائلها فإن نفسه تنازعه، سيما إذا كان شابا ،وكان عنده قوة وعنده فراغ، وهناك دوافع كثيرة؛ فإنه بلا شك تندفع نفسه إلى فعل الفاحشة.
إذا شاهد النساء مثلا متكشفات، أو شاهد صور النساء في الصحف وفي المجلات متبرجات، أو شاهد صورهن أيضا في الأفلام أو في الأجهزة التي تبث الشرور بواسطة قنوات فضائية والدشوش ونحوها؛ لا شك أنه إذا شاهد هذه المنكرات والدوافع اندفعت نفسه إلى فعل الفاحشة؛ إلى الوطء بأية وسيلة، فإذا جاهد نفسه وقوي عليها فإن ربه سبحانه يثيبه على هذه المدافعة، لأنه يمسك زمام نفسه ويقهرها، ويقوى على مقاومتها؛ فيعطيه الله أجرا على هذه المجاهدة، فلذلك إذا وضعها في حرام يعني زنا كان عليه وزر، وإذا وضعها في حلال كان له أجر، إذا وضعها في حرام كان عليه وزر، وإذا فطم نفسه عن الحرام كان له أجر.
كذلك أيضا حرم الله تعالى الغناء، وأمر باستماع القرآن، فالذين يستمعون القرآن ويتلذذون بسماعه لهم أجر، والذين يستمعون الغناء ويتلذذون بسماعه عليهم وزر، والذين تندفع أنفسهم إلى سماع الغناء واللهو والسهو ونحوهم، وتحب نفوسهم ذلك وتتمناه؛ فإذا جاهدوا أنفسهم وقدروا على قمعها كان لهم أجر على هذا الأمر، الذي هو جهاد الأنفس؛ النفس إذا أقمعت تاقت، فإن النفس كالطفل، يقولون إنها: فإن أقمعت تاقت وإلا تسلت:
وما النفس إلا حيث يجعلها الفـتى
فـإن أقمعـت تـاقت وإلا تسـلت
فإذا قطع طمع نفسه عن هذا السماع، وقال إن هذا مما حرمه الله، فكيف مع ذلك أقدم على فعل شيء محرم. فإن الله تعالى يثيبه على هذا الفعل الذي هو حماية نفسه.
ونجمل بقية المحرمات لأنها ظاهرة فنقول: يثاب الإنسان على ترك النظر في الأفلام الخليعة، ويثاب على ترك شرب المسكرات، وعلى ترك شرب الخمور ونحوها؛ يثيبه الله على ترك شرب الدخان، يثيبه على ترك الغيبة والنميمة، يثيبه على ترك السخرية والاستهزاء؛ إذا ترك ذلك احتسابا وخوفا من العذاب، كذلك يثيبه على ترك اللهو واللعب، وعلى ترك قتال المسلمين وإيذائهم، إذا ترك ذلك كله خوفا من عذاب الله تعالى ورجاء لثوابه؛ فننتبه لهذه الوصية؛ التي هي الوصية بكثرة عبادة الله عز وجل، والإتيان بما يستطيعه.