جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
محاضرات بعنوان: عناية السلف بالحديث الشريف
13006 مشاهدة
الإمام أحمد وكتابة الحديث

كذلك من الذين كتبوا الأحاديث الإمام أحمد رحمه الله، وهو من مشائخ أهل الكتب الستة. رتب مسنده على أسماء الصحابة، ولكنه وقع في مسنده أحاديث مكررة كثيرة. بلغ عدد الأحاديث التي في المسند أكثر من سبعة وعشرين ألف حديث. يعني قريبا من ثمانية وعشرين ألفا، وهذا مع التكرار فيها أحاديث مكررة كثيرة يمكن أنها قد تكون النصف أو الثلثين. إذا قيل: إن الأحاديث التي ليست مكررة عشرة آلاف فإن هذا شيء كثير، وكتب الإمام أحمد غير ذلك من الكتب التي تضمن الأحاديث وكان قد وهبه الله تعالى حفظا قويا حتى قال أبو زرعة لعبد الله بن أحمد: إن أباك كان يحفظ ألف ألف حديث يعني: يحفظ مليون حديث كيف عرفتم ذلك؟ قالوا: تتبعناه بالأبواب، ولعلهم يريدون ما يحفظه من الآثار، ومن الموقوفات، ومن المقطوعات، ومن المكرر وما أشبه ذلك، فهذا دليل على أنهم اهتموا بحفظ الأحاديث وبروايتها. مسنده كله أحاديث مرفوعة ليس فيه موقوف من كلام الصحابة أو التابعين إلا القليل.
في زمان الإمام أحمد علماء كثير كتبوا الأحاديث منهم الحميدي شيخ البخاري وهو زميل الإمام أحمد اشترك معه في الرواية عن ابن عيينة يوجد له مسند مطبوع في مجلدين. رتبه أيضا على أسماء الصحابة؛ انتقى الأحاديث الصحيحة.
يوجد في زمانه أيضا من المحدثين عبد بن حميد في زمن الإمام أحمد له أحاديث أو كتاب طبع بعضه، ويسمى منتخب أحاديث عبد بن حميد وهو من تلاميذ أهل الكتب الستة.
كذلك سعيد بن منصور له أيضا سنن مطبوعة أو مطبوع أكثرها، ولكنه رحمه الله لم يقتصر على الأحاديث المرفوعة؛ بل روى أحاديث موقوفة من كلام التابعين والصحابة ومن أفعالهم، اهتم بذلك فحصل على خير كثير.
وفي زمانه أيضا أو قبله عبد الرزاق بن همَّام الصنعاني عالم صنعاء شيخ الإمام أحمد هذا أيضا ممن كتب الأحاديث، وكتب الآثار وطبع مصنفه. موجودة فيه الأحاديث والسنن والموقوفات في أحد عشر مجلدا، وإن كان الحادي عشر جُعل فيه مسند معمر بن راشد كما ذكرنا قريبا. الأحاديث المرفوعة فيه كثيرة؛ أما الموقوفة فأكثر. بلغ ترقيمها أكثر من واحد وعشرين ألفا من أحاديث موقوفة أو مرفوعة.
ومن تلاميذه أبو بكر بن أبي شيبة عالم محدث مشهور؛ اشتهر بحفظ الأحاديث. ذكروا أنه كان يجلس على منبر أو نحوه أو مكان مرتفع يحدث فكان يحضره خمسة آلاف رجل يستمعون لحديثه؛ مع أنه ليس هناك مكبر ولكنهم يتقاربون إلى أن يسمعوا أحاديثه. صنف هذا المصنف الذي طبع، وبلغت أحاديثه أكثر من عشرين ألف حديث، وإن كان أوله لم يرقم؛ وذلك دليل على حفظه، وما وهبه الله تعالى من الحفظ والفهم، وهناك غيره من المحدثين في ذلك الزمان الذين كتبوا السنة، واهتموا بها مما يدل على أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كانت محل اجتهاد، وكان الصحابة والتابعون وتابعو التابعين يعتنون بها، ويحصونها ويكتبونها.