إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
محاضرات بعنوان: عناية السلف بالحديث الشريف
16101 مشاهدة
عبد الله بن عمرو وكتابة الحديث

كان من جملة الذين يروون الأحاديث عبد الله بن عمرو بن العاص وكان كاتبا؛ فكان إذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا كتبه، فأنكر عليه بعض الصحابة وقالوا: إنك تكتب الأحاديث، وقد يكون النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في غضب أو نحو ذلك فكيف تكتب ما تكلم به من غير قصد؟ يقول: فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده لا يخرج منه إلا حق، وأشار إلى فمه لا يخرج مني إلا حق. زكاه أبو هريرة فقال: ليس أحد أكثر مني حديثا أو أحفظ إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب؛ هكذا ذكر السبب أنه كان يكتب.
ثم إنه رضي الله عنه كتب أحاديث في صحيفة، وتلك الصحيفة يسميها (الصحيحة) أو تعرف بالصحيحة. رواها عنه ابن ابنه واسمه شعيب روى تلك الصحيفة. قالوا: فيها أكثر من ثمانين حديثا، وروى أحاديث أخرى أيضا ما كتبها في تلك الصحيفة، ثم روى تلك الصحيفة أيضا عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده عبد الله فاشتهر رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لتلك الصحيفة التي تسمى الصحيحة، وقد جمع أحاديثها الكثيرة بعض المتأخرين وصححوها، وكأنهم طبعوها مفردة. أرادوا بذلك أن الصحابة اهتموا بكتابة الأحاديث ولو كانوا في زمن قلة من الإمكانيات.
مما يدل على أن الحديث كان محفوظا؛ بحيث يحفظونه في أوراق حتى لا يتغير، وذلك لأن الحفظ قد يتغير، وأما الكتابة فإنها تبقى؛ ولذلك قال بعض العلماء: اكتبوا ما تسمعون فإن ما كتب قر، وما حفظ فر إن الإنسان عرضة للنسيان إلا من وهبه الله تعالى حفظا وفهما.