جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
لقاءات في دور القوات المسلحة والحرس الوطني
23405 مشاهدة
لذة المعصية زائفة ولذة الطاعة باقية

نذكر بعض الأمثلة لذلك، فمن ذلك مثلا: الذين يتلذذون بسماع الأغاني، لا شك أنهم وإن لذَّذوا أنفسهم، ولكن عرضوها للعذاب، إذا كان أهل الطاعة يتلذذون بقراءة القرآن، وبذكر الله، وبدعائه ، وباستحضار عظمته، ويرون ذلك هو أعظم لذة، فهؤلاء الذين يجعلون بدل ذلك سماع أغنية فلان، وفلانة، وسماع صوت المطرب والمطربة، والفنان والفنانة، وما أشبه ذلك! أو كذلك يحضرون عند الذين يتغنون بأصوات رقيقة، وبنغمات مثيرة للأشجان، ونحو ذلك! إن هناك فرقا كبيرا بين الذين نعيمهم لذة يُحِبُّهَا الله تعالى: ذكره، وتلاوة كتابه، والذين نعيمهم غناء، وزمر، ورقص، وتمايل، وتَفَنُّنٌ في هذه الأصوات، فيكونون قد حَرَمُوا أنفسهم التلذذ بالطاعة، واستبدلوا بها التلذذ بالمعصية، وعلامة ذلك أنهم يستثقلون كلام الله، يستثقلون سماع القرآن، وأنهم يستبدلونه بهذا الغناء ونحوه، لا يجتمعان أبدا.
يقول ابن القيم رحمه الله:
حب القـرآن وحب ألحـان الغنـا
فـي قـلب عبـدٍ ليس يجتمعـانِ
يعني: أن الذي يُحِبُّ القرآن لا بد أن يكره سماع الغناء، وأن يَنْفُرَ منه، والذي يَلْتَذُّ بالغناء لا بد أن يثقل عليه سماع كلام الله، وهذا واقع كثيرا في المتقدمين وفي المتأخرين، حتى قال فيهم بعض الشعراء:
تُلـي الكتـاب فأطرقوا لا خيفـة
لكنــه إطــراق ســاهٍ لاهِـي
وأتى الغنـاء فكالحمـير تناهقوا
واللـه مـا رقصـوا لأجـل اللـهِ
يعني: أنهم لما سمعوا القرآن أطرقوا، ولكن مع سهو ولهو، ولما جاء الغناء طاروا به فرحا، كأنهم سمعوا نعيمهم ولذتهم، طاروا به فرحا، كالحمير: شبههم بمثل سَيِّئٍ.
وأتى الغنـاء فكالحمـير تناهقوا
واللـه مـا رقصـوا لأجـل اللـهِ
دف ومزمــار ونغمـة شـادنٍ
فمتـى رأيــت عبـادة بملاهـي
يعني: أن طربهم بهذا الدُّفِّ...بهذه الدفوف والطبول، وبهذه المزامير، وبهذه النغمات- النغمات الموسيقائية، والنغمات المحركة، والمثيرة للهمم وللفساد، وللاندفاع إلى الفواحش- وما أشبهها، ثم شبَّه هذا بأنه خمر بقوله:
إن لم يكـن خمر الجسوم فإنـه
خمـر العقـول مماثـل ومُضَاهي
يعني: هذه الأصوات وهذه الأغاني هي خمر العقول، وإن كانت لا تُسْكِرُ الأجسام، ولكن تسكر العقول وتُغَيِّرُهَا، ثم يقول:
انظـر إلـى النشوان عند شرابه
وانظـر إلى النشـوان عند ملاهي
وانظـر إلـى تمـزيق ذا أثوابه
مـن بعـد تمزيق الفـؤاد اللاهي
واحكم بأي الخمرتين أحق بالتـ
تحـريـم والتـأثيـم عنـد اللـهِ
فالذين ابتلوا بسماع الأغاني ومحبتها لا يحبون القرآن، بل يستثقلونه، يقول فيهم بعض الشعراء:
وإذا تلا القـاري عليهـم سـورة
فأطالهــا عــدوه فـي الأثقـال
ويقـول قـائلهم: أطلت! وليس ذا
عشـر فَخَفِّـفْ.. أنـت ذو إمـلال!
فهكذا يكون حالة الذين يحبون الغناء، وينفرون من القرآن ومن سماعه، لا شك أنهم- وإن تلذذوا به في الدنيا- فإن لذتهم تنقلب حسرة، ويعاقبهم الله بأن يحرمهم لذة الجنة، وما فيها من الطرب ونحوه.
قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن في الجنة الحور العين، وأنهن يُطْرِبْن مَن يَدْخُلُهَا، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبدا، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا، طوبى لمن كان لنا وكنا له هذا سماع أهل الجنة. وأما سماع أهل الدنيا فهو: هذه النغمات، وهذه المراقص، وهذه الكلمات البذيئة، وإن تنعموا بها، أما أولياء الله تعالى فإن تلذذهم بسماع القرآن، وبالصلاة، وبالتهجد، وما أشبه ذلك.
يقول بعض العلماء: رُوِيَ عن أبي سليمان الداراني رحمه الله قال: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم! أهل الليل يعني: التهجد.. الذين يتهجدون طوال الليل، يُصَلُّون، ويتدبرون القرآن، يقومون ويقعدون، يركعون ويسجدون، يخشعون لربهم ويخضعون، يتواضعون لله يدعونه مخلصين له الدين، هؤلاء لذتهم بهذه العبادة أَلَذُّ من أهل اللهو، أهل اللهو يعني: أهل الغناء، وأهل المزامير، وأهل الرقص، وأهل التمايل، وأهل الآلات -آلات اللهو ونحوها: الأعواد، والطبول وما أشبهها- في نظرهم أنهم يتلذذون، وأنهم يتنعمون، ولكن فرق كبير بينهم، وبين أهل التهجد، هؤلاء يتلذذون بِذِكْرِ الله، ويجدون له نشوةً، وطربا، وسرورا، وقوة في قلوبهم، وقوة في أجسامهم، ومع ذلك يثيبهم الله في دنياهم وأخراهم، وهؤلاء الآخرون -أهل اللهو- وإن تنعموا في دنياهم، ولكن مآلهم -والعياذ بالله- إلى الخسران، وإلى الخوف، وإلى العذاب عاجلا وآجلا، وإلى الذُّلِّ في الدنيا، فإن أهل المعاصي لا بد أن الله تعالى يُذِلُّهُمْ كما رُوِيَ عن الحسن أنه قال: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهَمْلَجَتْ بهم الْبَرَاذِينُ، فإنَّ ذُلَّ المعاصي لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يُذِلَّ مَنْ عصاه! يعني: لا بد أن الله يُذِلُّ العصاة، ويُظْهِرُ ذُلَّهُمْ في دنياهم أو في أُخْرَاهم.
وكان بعض الصالحين يقول: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلُقِ دابتي وامرأتي، يعني: إذا عمل سيئة -ولو كانت صغيرة- رأى أثر هذه المعصية عاجلا، حتى في خُلُق دابته التي يركبها كفرس أو بَغْلٍ أو بَعِيرٍ أو نحو ذلك، وفي خُلُقِ امرأته -التي هي زوجته- يرى أثر ذلك بأن تتسلط عليه، وبأن تسيء عشرته، أو تسيء خُلُقَها معه، هذه عقوبة في الدنيا. لا شك أن المسلم الذي يعرف الله تعالى، ويعرف حَقَّهُ عليه، لا بد أنه يحرص على طاعة الله تعالى، ويحتسب أجره، يعرف أن ثواب الطاعة في الدنيا عاجل، بحيث إن الله تعالى يُعَجِّلُ له الحسنة في الدنيا، ويجيب دعوته إذا دعا رَبَّهُ بقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة! فحسنة الدنيا: الحياة السعيدة، وحسنة الدنيا: الصحة، وحسنة الدنيا: الرزق الهنيء، وحسنة الدنيا: الأمن، والسرور، والاطمئنان وما أشبه ذلك.. وحسنة الآخرة لا يعلم قَدْرَها إلا الله، وهي الجنة التي عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خَطَر على قَلْبِ بَشَرٍ.